logo
اقتصاد

قانون «الإيجارات القديمة» في مصر.. نهاية أزمة أم بداية لأخرى جديدة؟

«غرفة التطوير العقاري»: القانون يحرّر مئات الآلاف من الوحدات المجمّدة

«راشد»: زيادة الإيجارات المرتقبة قد تعزّز احتمالات ارتفاع التضخّم

«بدرة»: القانون يُحمّل الدولة عبء توفير مليون وحدة سكنية بديلة

قانون «الإيجارات القديمة» في مصر.. نهاية أزمة أم بداية لأخرى جديدة؟
مبان سكنية في العاصمة المصرية القاهرة يوم 17 يوليو 2024.المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:4 يوليو 2025, 01:59 م

بينما أقر مجلس النواب المصري قانون الإيجارات القديمة، قبل أيام، لإنهاء سنوات طويلة من الأزمات والنزاعات القضائية في البلاد، ووضع حدٍّ لتدهور الثروة العقارية، ظهرت أزمة جديدة في الأفق، خاصةً بعد إقرار القانون بإلغاء العقود القائمة بعد فترة انتقالية تتراوح مدتها بين 5 و7 سنوات للوحدات التجارية والسكنية، تتم فيها زيادة قيم الإيجارات تدريجياً.

حدود تأثير القانون ليست اجتماعية أو سياسية فقط، بل إن أثره سينعكس على الاقتصاد المصري برمّته، وسيكون له تبعات على تكاليف المعيشة والتضخم من جهة، وعلى خطط العمران والتوسعات في السوق العقارية من جهة أخرى، بحسب خبراء ومسؤولين تحدثوا لـ«إرم بزنس».

بدأت تدخلات الدولة المصرية في تنظيم العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر العام 1920، عندما صدر أول قانون يحدد سقفًا لقيمة الإيجار، ويمنع المالك من إخلاء الوحدة السكنية إلا بحكم قضائي.

في العام 1941، تم إصدار قانون جديد أكثر تشدداً، يمنع زيادة القيمة الإيجارية، وينص على امتداد عقود الإيجار تلقائياً دون الحاجة إلى تجديدها بعد انتهاء مدتها القانونية.

وشهدت فترة الستينيات تصاعداً في تدخل الدولة المصرية في الإيجارات، مع صدور سلسلة من القوانين التي خفّضت القيمة الإيجارية بشكل كبير، وهو الأمر الذي أثّر على توازن العلاقة بين الطرفين.

وظلت هذه القوانين سارية حتى العام 1981، حين أُجريت تعديلات محدودة سمحت بتحريك طفيف للإيجارات، لكن رغم ذلك، ظلت أزمة الإسكان في مصر قائمة طوال حقبتي السبعينيات والثمانينيات.

وفي العام 1996، صدر ما عُرف بـ«قانون الإيجار الجديد»، والذي أتاح تحرير العقود الإيجارية الجديدة دون تدخل الدولة، لكنه أبقى على الأوضاع القديمة كما هي، دون مساس بالعقود المُبرمة قبل صدوره. 

حدود الأزمة الجديدة

أثار القانون الجديد جدلاً واسعاً ومخاوف كبيرة في مصر بشأن كيفية تنفيذ قرارات الإخلاء المتوقعة بعد نهاية المرحلة الانتقالية، رغم تعهّد الحكومة، خلال مناقشات القانون في مجلس النواب، بتوفير شقق كافيةً للمستأجرين الذين سيضطرون لإخلاء منازلهم.

أخبار ذات صلة

بعد إثارته للجدل.. تفاصيل مشروع قانون الإيجار القديم في مصر

بعد إثارته للجدل.. تفاصيل مشروع قانون الإيجار القديم في مصر

وتدخلت الحكومة في اللحظات الأخيرة من موافقة مجلس النواب نهائياً على قانون الإيجار القديم، باقتراح لتعديل المادة «8» من مشروع القانون، يقضي بعدم إخلاء المستأجر الأصلي العين المستأجرة قبل توفير سكن بديل يكون من اختياره، وذلك قبل سنة على الأقل من انتهاء الفترة الانتقالية المحددة بسبع سنوات.

تستهدف الحكومة المصرية من مشروع قانون الإيجار القديم تحقيق المصلحة العامة، في إطار من التوازن، يُعيد للمؤجّرين حقوقهم، ويحفظ للمُستأجرين حقهم في المسكن المناسب، بحسب ما قاله وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، محمود فوزي، في بيانٍ نهاية الأسبوع الماضي، والذي أكّد أن الحكومة لن تسمح بترك أيّ مواطنٍ بلا مأوى.

تحدٍّ اجتماعيّ واقتصاديّ

قال عضو مجلس إدارة غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، محمد راشد، لـ«إرم بزنس»، إن قانون الإيجار القديم الذي أقرّه مجلس النواب المصري يضع حداً لأزمة استمرت لأكثر من 70 عاماً، لكنه في الوقت نفسه يضع الدولة أمام تحدٍّ اجتماعيٍّ واقتصاديٍّ بالغ التعقيد، بالنظر إلى أن تأثيره المباشر يمسّ ملايين المواطنين.

قدّر راشد عدد الوحدات السكنية الخاضعة للإيجار القديم في مصر بما بين 1.8 إلى 2.4 مليون وحدة، يستفيد منها (مستأجرون وأسرهم) ما يتراوح بين 8 إلى 10 ملايين مواطن.

وتقارب نسبة الوحدات المغلقة (غير المستخدمة بسبب عقود الإيجار القديم) 30% من تلك الوحدات، وفقاً لراشد، الذي أوضح أن معدل الإيجار الشهري الحالي في كثيرٍ من الحالات لا يتجاوز 10 إلى 50 جنيهاً (نحو دولار واحد).

زيادة مؤقتة للتضخّم

أشار عضو مجلس إدارة غرفة التطوير العقاري إلى أن الزيادة المقترحة وفق القانون الجديد ترفع القيمة الإيجارية للوحدات السكنية المشمولة بالقانون إلى 10–20 ضعف القيمة الحالية فوراً، ثم زيادات سنوية بنسبة 15% خلال الفترة الانتقالية.

ورجّح راشد تسبّب القانون الجديد في ضغوطٍ تضخميةٍ مؤقتة، مع الزيادة المرتقبة للأسعار في سوق الإيجارات الجديدة.

ورغم التضخّم المحتمل، اعتبر راشد القانون الجديد منصفاً للمُلاك، إذ سيساهم في تحسين دخلهم، خصوصاً أن كثيراً منهم يحصلون على عوائد رمزية لا تغطي حتى تكاليف الصيانة لعقاراتهم.

زيادة الطلب بالمدن الجديدة

قال راشد إن القانون الجديد سينعكس على ارتفاع تكلفة السكن في المدن القديمة؛ ما قد يضغط على الطلب في المدن الجديدة ويزيد العبء على البنية التحتية.

أخبار ذات صلة

بعد جدل واسع.. النواب المصري يقر إنهاء عقد الإيجار القديم بعد 7 سنوات

بعد جدل واسع.. النواب المصري يقر إنهاء عقد الإيجار القديم بعد 7 سنوات

أشار راشد إلى أن القانون الجديد يمنح دفعةً قويةً لمشروعات الإسكان الحكومية، لكنه أيضاً يُحمّلها مسؤوليةً كبرى، خاصةً أن نجاح المرحلة الانتقالية يعتمد بشكل رئيسي على قدرة الدولة على تسليم وحدات بديلة بكفاءة وانتظام، وتوفير شبكة نقل تدعم انتقال المواطنين إلى المدن الجديدة، وخلق بيئة عمرانية متكاملة لا تقوم فقط على البناء، بل على الخدمات والتعليم والصحة.

تحرير سوق العقارات

اعتبر راشد قانون الإيجار القديم، في صيغته الجديدة، تحوّلاً استراتيجياً حتمياً نحو تحرير سوق العقارات، وإعادة ضبط العلاقة بين المواطن والدولة في ملف السكن، لكنّ نجاحه لن يُقاس بالنصوص وحدها، بل بقدرة الدولة على الجمع بين الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، في فترة انتقالية قصيرة، وفي سياقٍ مجتمعيٍّ بالغ الحساسية.

«القانون الجديد سيحرّر السوق العقاري... سيسهم في تحريك مئات الآلاف من الوحدات السكنية المجمّدة؛ ما يزيد المعروض ويحفّز الاستثمار»، بحسب عضو مجلس إدارة غرفة التطوير العقاري.  

ضغوط اجتماعية

ذكر راشد أن القانون الجديد أثار أربعة تحدياتٍ اجتماعية، يتمثّل أولها في إثارة المخاوف من التهجير الجماعي بعد انتهاء الفترة الانتقالية، خصوصاً في المناطق الشعبية ووسط البلد، أما التحدي الثاني فهو ارتفاع تكلفة الإيجار على شريحةٍ واسعةٍ من المواطنين محدودي ومتوسطي الدخل. 

ويتمثل التحدي الثالث في عدم وضوح آلية الإخلاء في حال عدم توفير السكن البديل، فيما يكمن التحدي الرابع في قدرة الدولة على توفير البدائل السكنية الكافية خلال 5–7 سنوات.

تكلفة ضخمة على الدولة

بدوره، انتقد الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة القانون الجديد، معتبرًا أنه في صيغته الحالية «غير سليم»، وصدر في توقيتٍ غير مناسب، وسينتج عنه أعباءٌ اقتصاديةٌ واجتماعيةٌ جسيمة لا يمكن تجاهلها.

وقال بدرة لـ«إرم بزنس» إن القانون، الذي يمنح مهلةً مدتها 7 سنوات لإخلاء الوحدات السكنية المؤجّرة، يُحمّل الدولة عبئاً مالياً كبيراً، حيث ستكون مطالبةً بتوفير نحو مليون وحدةٍ سكنيةٍ بديلةٍ للمستأجرين المتضررين، بتكلفةٍ قد تتجاوز 200 مليار جنيه، في وقتٍ تعاني فيه الموازنة العامة من ضغوطٍ غير مسبوقة.

«الحكومة أعلنت أنها ستوفّر سكناً بديلاً للمواطنين خلال المهلة المحددة، لكن لا توجد أيّ ضماناتٍ حول طبيعة هذا السكن، وهل سيكون تمليكاً أم إيجاراً؟ وكم سيستمر حق الإقامة فيه؟ وماذا عن أُسر المستأجرين بعد وفاتهم؟»، بحسب بدرة، الذي قال إن تلك التساؤلات كانت سبباً في إثارة الجدل والخلافات حول القانون.

الدعم بدلا من الإخلاء

اقترح بدرة حلاً بديلاً كان من الممكن تطبيقه عوضاً عن إخلاء الوحدات بعد الفترة الانتقالية، يقوم على تقديم دعمٍ نقديٍّ مباشرٍ للملاك، بحيث تدفع الدولة جزءاً من الإيجار، ويكمل المستأجر الجزء الآخر، حتى تنتهي العلاقة التعاقدية بشكلٍ طبيعي.

«لو افترضنا أن مستأجراً مسناً في شقة إيجار قديم يدفع 1000 جنيه، والدولة أضافت 1000 جنيه دعماً للمالك، نكون قد حفظنا حقّ الطرفين، دون تهجيرٍ أو أعباءٍ على الميزانية»، وفق بدرة.

وانتقد الخبير الاقتصادي غياب بياناتٍ دقيقةٍ حول الفئات المتضررة من القانون، وخاصة كبار السن وأصحاب المعاشات، مؤكدًاً أن «إثبات مستوى الدخل كان كفيلاً بحلّ الأزمة بشكلٍ أكثر عدالة، بدلًا من إقرار قانونٍ على الجميع دون تفريق».

زيادة الإيجارات

اعتبر بدرة أن أضرار القانون الجديد لن تتوقف عند التكلفة المالية، بل ستمتد إلى تداعياتٍ اقتصاديةٍ خطيرة، منها ارتفاع أسعار الإيجارات، وتعزيز السوق العقاري الموازي، وإضعاف الاستقرار الاجتماعي.

وأضاف: «الإيجارات في مصر مرتفعةٌ بالفعل دون تدخّلٍ حكومي، وهناك شقق تُؤجَّر بآلاف الجنيهات يوميًا دون رقابة، ولا تدخل في منظومة الضرائب من الأساس».

كما انتقد بدرة أداء الحكومة والبرلمان في التعامل مع الملف، قائلًا: «كنتُ أتوقّع مواءمةً أكثر في إقرار القانون، وأن يُؤخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي والاقتصادي».

«الاقتصاد لا يُدار بالقوانين وحدها، بل بالقدرة على التوازن بين الحقوق والواجبات»، بحسب ما قاله بدرة، مختتماً: «القانون كان لا بدّ أن يُصاغ وفقًا للقدرات المجتمعية، لا أن يُفرض ضغوطًا قد تخلق سلوكياتٍ غير سويةٍ وتمسّ الاستقرار العام».

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC