رقم قياسي بـ122 مليون عدد النازحين قسراً في 2025
حجم الاحتياجات يتصاعد بشكل هائل.. وفجوة التمويل تكبر
وسط مستويات غير مسبوقة من الاحتياجات الإنسانية، وركود اقتصادي عالمي، وانشغال الدول الكبرى بأولويات دفاعية وأمنية، تواجه المساعدات الإنسانية الدولية أزمة غير مسبوقة.
في هذا الحوار مع «إرم بزنس» تكشف خبيرة تمويل المساعدات الإنسانية في المجلس النرويجي للاجئين كايلا غلاس، ملامح الانكماش الحاد في تمويل الإغاثة، وأسبابه العميقة، وتبعاته القاسية على الملايين من المحتاجين حول العالم.
فمن موزمبيق إلى أفغانستان، ومن اليمن إلى أوغندا، تتحدث غلاس عن مشاهد يومية لحياة تتوقف لأن الدعم توقف، وحلول مستدامة تضيع لأن التمويل طارئ وقصير الأمد.
وتدق كايلا غلاس ناقوس الخطر بشأن أثر هذا التراجع على الفاعلين المحليين، وتفكك الوهم حول قدرة «التمويل المبتكر» وحده على إنقاذ المنظومة.
وفي ظل نظام دولي يتقلص فيه الأمل، تطرح خبيرة تمويل المساعدات الإنسانية مقاربة جريئة: التمويل مهم، لكن السلام أهم.
أعتقد أنّ وضع تمويل العمل الإنساني حالياً حرج للغاية ومقلق جدّاً، شهدنا العديد من التخفيضات في العام الحالي، لكنها تبعت تخفيضات في السنوات السابقة.
لذا، بينما كنّا مضطرين لوضع أولويات خلال السنوات الماضية، جاءت جولة جديدة من فرط تحديد الأولويات لتزيد الطين بلّة، وتحرم فئات شديدة الضعف من مساعدات تحتاجها.
لا أعتقد أننا في مسار انحداري دائم، فهذا التراجع لن يستمر للأبد، لكنّه قد يدوم لعدّة سنوات.
فبعض الدول المانحة الكبرى بدأت تعلن عن زيادات بتموبل أهدافها الدفاعية والأمنية على حساب أهداف التنمية والعمل الإنساني، لذا أعتقد أنّ هذا الاتجاه سيستمر خلال السنوات الخمسة أو الستّة المقبلة.
ربما لا يوجد فهم حقيقي لما يقدمه العمل الإنساني، وربّما لا يدرك الناس فعلياً حجم ما يمثله التمويل الإنساني من ميزانيات الحكومات، في الحقيقة إنّه جزء ضئيل جدّاً من الإنفاق الحكومي.
الركود الاقتصادي وتصاعد التوترات الجيوسياسية يؤثران بطبيعة الحال على قرارات الحكومات بشأن توزيع الميزانيات.
ومن دون دعم جماهيري للعمل الإنساني، سيكون من الصعب منحه أولوية في تلك الميزانيات.
كثيراً ما نركز على فجوة التمويل، فنقول إنّنا نحتاج مبلغاً معيناً لتلبية احتياجات عدد من الأشخاص.
لكن ما نحتاج إليه فعلاً التركيز على أن حجم الاحتياجات نفسها يتصاعد بشكل هائل.
هذا العام، بلغ عدد النازحين قسراً رقماً قياسيا تجاوز 122 مليون شخص، لذلك فالمشكلة ليست فقط تمويلية، بل أيضاً في الأسباب الجذرية والحجم المتزايد للاحتياجات.
وإذا لم نتدخل عبر أنظمة حكوماتنا، ليس فقط النظام الإنساني، للانخراط السياسي والاستثمار في النظام متعدد الأطراف لإيجاد حلول للأسباب التي تؤدي إلى هذه النزوح والاحتياجات، فسنستمر فقط برؤية تصاعد في الاحتياجات، وحتى لو زاد التمويل لن يكون كافياً للحاق بالاحتياجات المتزايدة.
أكبر التخفيضات التي شهدناها في المجلس النرويجي للاجئين العام الحالي مرتبطة بالقرارات الأميركية مع كثير من التأرجح نتيجة لذلك، مشاريع توقفت ثم عادت، أو ألغيت ثمّ استؤنفت.
وضعنا المالي جيد نوعاً ما حالياً، لكننا لا نملك وضوحاً كافياً بشأن 2026، فالمساعدات الإنسانية دائماُ قصيرة الأمد، وغالباً لا نملك رؤية واضحة للعام المقبل.
ما نحاول فعله في المجلس النرويجي للاجئين هو ألا نقلل وجودنا، لكن ربّما نقلل من حجم المساعدة المقدّمة.
لدينا مثال من موزمبيق، زار أميننا العام مؤخراً كابو ديلغادو، حيث يقطن عدد من النازحين داخلياً، وأدّى تراجع المساعدات الإنسانية هناك بسبب نقص التمويل إلى عدم تفريغ دورات المياه.
البنية التحتية موجودة، لكنّ الصيانة غير متوفرة لضمان استمرار الخدمات.
في أفغانستان، لدينا مراكز موارد مجتمعية كانت تقدم مساعدات قانونية ونقدية، خصوصاً للنساء. بعضها أُغلق أو خفّضت مساعداته بشكل كبير، ليس لأنّ الحاجة انتهت، بل لأنّ التمويل توقف.
في أوغندا، وهي غير مرتبطة بالمجلس النرويجي للاجئين، لكنّها دولة مضيفة للاجئين منذ عقود.
مؤخّراً، تمّ تقليص حصص الغذاء لحوالي مليون لاجئ فارّ من الصراعات في دول الجوار.
من دون الدعم الدولي، كيف سيطعم هؤلاء أنفسهم؟ هذا سؤال نكرره دائماً.
إذا نظرنا إلى التمويل الأميركي، نرى أنّه تراجع تماماً في اليمن وأفغانستان، وهذه سياقات ستتأثر بشكل كبير لأن الولايات المتحدة كانت المساهم الأكبر، وعندما تنسحب الولايات المتحدة، فإنّ العواقب ستكون شديدة للغاية.
في مثال موزمبيق أيضاً، قلّص برنامج الأغذية العالمي مساعداته إلى النصف هذا العام نتيجة إعادة ترتيب الأولويات، وذلك يعني أنّ عدداً من الأشخاص الذين تبيّن من تقييمات الاحتياجات أنهم بحاجة المساعدة، لا يمكن الوصول إليهم.
في بوركينا فاسو، تمّ تحديد شخص واحد من كل خمسة محتاجين لينال المساعدة. وحتى هذا الشخص لن يحصل على المساعدة إلّا إذا تمّ تمويل الخطة بالكامل، وهو أمر مستبعد، وهنا يمكننا تخيّل حجم الكارثة.
ذلك سيؤدّي إلى استمرار دورة المساعدات الطارئة بدلاً من التحوّل إلى حلول مستدام،. وذلك ما يمنع المجتمعات من بناء حياة مستقرة وإيجاد حلول دائمة.
المستجيبون المحليون تضرّروا أكثر من بقية القطاع، هم جزء من المجتمعات التي يخدمونها، ويواجهون نفس التحديات.
في أفغانستان، أدّى تقليص الموظفين نتيجة فقدان التمويل الأميركي إلى فقدان أرباب أسر مصادر دخلهم، ما يعني إضافة مزيد من الناس إلى قائمة محتاجي المساعدات.
على مستوى النداء الإنساني العالمي، طلبنا تمويلاً بنحو 49 مليار دولار، وبعد عملية إعادة تحديد الأولويات، أصبح الطلب نحو 24 مليار فقط، أي أنّنا نعلم أنّ هناك حاجة كبيرة، لكنّنا نخفض طموحاتنا بشكل كبير.
لا أعتقد أنّ الحل في تمويل مبتكر، بل في مقاربات مبتكرة للسلام.
نحن بحاجة استثمارات تنموية تقلل من الاحتياجات وليس مجرد سد فجوات التمويل، نحتاج حلولاً دائمة، وإيقاف الحروب التي تولّد كل هذه الاحتياجات.