في استجابة سريعة لقرار البنك المركزي الأميركي بخفض سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، والذي يُعتبر الأول من نوعه منذ أربع سنوات، شهدت السوق المصرية ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الذهب. فقد سجل المعدن الأصفر مستويات قياسية جديدة، متأثراً بتراجع قيمة الدولار وارتفاع الأسعار عالمياً إلى 2621 دولاراً للأوقية.
خلال الاجتماع السادس للجنة الفيدرالية للسوق المفتوح لعام 2024، أعلن الفيدرالي الأميركي عن خفض سعر الفائدة 0.5% لتتراجع إلى نطاق 4.75% و5% من 5.25% و5.5% كما توقعت اللجنة استمرار هذا الاتجاه، مع احتمال خفض إضافي بمقدار نصف نقطة أخرى بنهاية العام الحالي، ونقطة كاملة في العام المقبل، ونصف نقطة إضافية في 2026.
هذا التحول في السياسة النقدية يعكس الجهود الرامية لتعزيز النمو الاقتصادي، ويضع المستثمرين في حالة ترقب لمستجدات الأسواق خلال الفترة القادمة.
في تعليقه على تأثير قرار خفض أسعار الفائدة الأميركية على السوق، أوضح رئيس شعبة الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية، هاني ميلاد، أن الاتجاهات الحالية لأسعار الذهب تبدو إيجابية للغاية. وأشار ميلاد إلى أنه إذا استمرت الظروف المواتية في السوق العالمية، فقد نشهد ارتفاع الأسعار إلى 2800 دولار للأوقية خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة.
وفي تصريحاته لـ«إرم بزنس»، أوضح ميلاد أن خفض أسعار الفائدة الأميركية، بالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، سيؤديان إلى استمرار ارتفاع أسعار المعدن الأصفر. وأضاف أن انخفاض قيمة الدولار، الذي شهد تراجعاً بعد قرار خفض الفائدة بنسبة 0.5% - وهو أدنى مستوى له منذ يوليو 2023 - يُعزز جاذبية الاستثمار في الذهب كملاذ آمن، مما يجعل التوقعات المستقبلية أكثر تفاؤلاً.
على المستوى المحلي، شهدت أسعار الذهب استجابة سريعة لقرار الفيدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة، حيث ارتفع سعر الغرام بشكل ملحوظ وفق رئيس شعبة الذهب. وفي تداولات الخميس 19 سبتمبر، سجل غرام الذهب عيار 21 قيراطاً 3484 جنيهاً (71.7 دولار)، بينما بلغ سعر الغرام عيار 24 قيراطاً 3982 جنيهاً (82 دولاراً). وفي تعاملات السبت 21 سبتمبر، قفز سعر الغرام عيار 21 إلى 3540 جنيهاً (72.9 دولار)، بينما سجل عيار 24 قيراطاً 4046 جنيهاً (83.3 دولار).
وقبل يوم من هذا القرار، كانت أسعار الذهب قد سجلت في السوق المصرية 3948 جنيهاً (81.3 دولار) لعيار 24 قيراطاً، و3455 جنيهاً (71.1 دولار) لعيار 21، بينما بلغ سعر أوقية الذهب في السوق العالمي 2510 دولارات.
ويعود هذا الارتفاع الملحوظ في الأسعار المحلية إلى زيادة سعر أوقية الذهب في السوق العالمي، والتي سجلت أعلى مستوى تاريخي عند 2621 دولاراً للأوقية في تعاملات الجمعة 20 سبتمبر، وفقاً لتصريحات ميلاد.
بدوره، يرى مستشار شعبة الذهب باتحاد الصناعات المصري، وصفي واصف، في تصريحات لـ«إرم بزنس»، أن التوقعات لأسعار الذهب على المدى القصير إلى المتوسط تبدو إيجابية بشكل كبير. حيث يشجع خفض الفائدة على زيادة الطلب على الذهب كاستثمار، خصوصاً بعد فترة من التباطؤ في الطلب في أثناء ارتفاع أسعار الفائدة القياسية التي لجأت إليها البنوك المركزية لمواجهة التضخم.
ومع بدء المركزي الأميركي سياسة التيسير النقدي وتبني العديد من البنوك المركزية الأخرى قرارات مماثلة، أصبح الذهب الآن يُعتبر الخيار الأفضل والملاذ الآمن لكثير من المستثمرين ورؤوس الأموال. وهذا الاتجاه أسهم بشكل كبير في رفع أسعار الذهب، كما يؤكد واصف.
يرجع وصفي واصف السبب الرئيسي وراء ارتفاع سعر الذهب المحلي إلى القفزة الكبيرة في سعر الذهب العالمي، الذي سجل مستوى تاريخياً جديداً تخطى 2620 دولاراً للأوقية.
ويوضح واصف أن الارتباط بين سعر الذهب المحلي والعالمي هو المحرك الأساسي لأسعار الذهب في مصر حالياً، في ظل استقرار العوامل المحلية الأخرى المؤثرة على التسعير، مثل سعر صرف الدولار الذي يتحرك تدريجياً نحو الارتفاع، ولكن دون تغيرات مفاجئة في السوق.
وعلى الرغم من تراجع الطلب المحلي على الذهب مؤخراً نتيجة للأعباء المالية المتزايدة على المستهلكين مع بداية الموسم الدراسي، فإن ارتفاع سعر الذهب العالمي قد عوض هذا التراجع بشكل واضح، كما يؤكد واصف.
يرى نادي نجيب، السكرتير العام السابق لشعبة الذهب بغرفة القاهرة التجارية، أن خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي عادةً ما يعزز جاذبية الذهب، حيث تصبح العوائد على السندات وأدوات الدين أقل جذباً للمستثمرين.
وفي تصريحاته لـ«إرم بزنس»، أكد نجيب أن الذهب، رغم أنه لا يدر عوائد مباشرة، إلا أنه يستفيد بشكل كبير من التحولات في أسعار الفائدة. ومع تراجع قيمة الدولار نتيجة لتخفيف السياسة النقدية، يزداد الطلب على الذهب كملاذ آمن، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعاره.
وتشير التوقعات إلى احتمالية استمرار هذا الاتجاه الصعودي في أسعار الذهب، خاصة في ظل حالة الضبابية التي تكتنف الأسواق المالية. وأشار نجيب إلى أن التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن انتخابات الرئاسة الأميركية واستمرار التضخم، تدفع المستثمرين للبحث عن الذهب كأحد الأصول الآمنة.
ومع هذه التوقعات المتفائلة، يظل هناك بعض المخاطر، إذ إن خفض الفائدة قد يؤدي إلى انتعاش أسواق الأسهم، مما قد يقلل من جاذبية الذهب كملاذ آمن، خاصة إذا استطاعت الأسواق المالية تحقيق استقرار أكبر بعد التخفيف النقدي.
في مصر، تظل المخاوف قائمة بشأن تراجع الطلب المحلي على المشغولات الذهبية، حيث قد تؤدي الأسعار المرتفعة إلى تراجع اهتمام المستهلكين بالذهب كمصدر للاستثمار، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة الناتجة عن ارتفاع التضخم، وفقاً للخبراء.
ورغم هذه التحديات، يظل الذهب من الأصول الأكثر متابعة من قبل المستثمرين سواء في مصر، أو في الأسواق العالمية. ومع استمرار عدم اليقين الاقتصادي، من المتوقع أن يبقى الذهب في مقدمة اختيارات المستثمرين الباحثين عن الأمان والاستقرار المالي.