في ظل تحولات متسارعة تشهدها الأنظمة الجمركية إقليمياً وعالمياً، تقود دائرة الجمارك الأردنية عملية إصلاح وتحديث شاملة تطال بنيتها المؤسسية والتقنية، مدفوعةً برؤية واضحة لتكريس بيئة جمركية ذكية ومتطورة.
وفي مقابلة خاصة مع «إرم بزنس»، كشف مدير عام الجمارك الأردنية، أحمد العكاليك، عن ملامح هذه المرحلة التحولية التي ترتكز على الرقمنة، التشريع العصري، والتكامل الإقليمي، لا سيما مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
أكد العكاليك أن التعاون مع الإمارات، وعلى وجه الخصوص مع جمارك أبوظبي، يشكل نموذجا رياديا في التكامل الجمركي العربي. وأوضح أن هذا التعاون يتجاوز التنسيق التقليدي ليصل إلى تبادل فعلي للخبرات والاطلاع المباشر على أنظمة العمل الذكية، مضيفاً: «زياراتنا الأخيرة إلى الإمارات أظهرت جاهزية متقدمة في تبني حلول تكنولوجية تسهم في تقليص زمن الإفراج الجمركي إلى دقائق معدودة، وهو ما نسعى لتبنيه ضمن خططنا في الأردن».
وأشار إلى أن التجربة الإماراتية في مجالات مثل التتبع الإلكتروني، أتمتة الإجراءات، إدارة المخاطر، وتبسيط حركة السلع، كانت مصدر إلهام مباشر لعدد من المبادرات الأردنية في هذا المجال، بما يسهم في مواءمة الأنظمة الوطنية مع أفضل الممارسات الدولية.
وفي إطار تطوير البنية التحتية الرقمية، لفت العكاليك إلى أن دائرة الجمارك تعمل حالياً على مشروع «النظام الجمركي الشامل»، والذي من المقرر أن يوحّد جميع العمليات الجمركية تحت مظلة إلكترونية واحدة، مبنية على نظام الأسيكودا العالمي.
وأضاف: «دخل المشروع مرحلة مسح الإجراءات لتوحيد آليات العمل في مختلف المراكز الجمركية مثل جابر، العمري، الكرامة وغيرها، وذلك بهدف إزالة التقاطعات المؤسسية وخلق بيئة تشغيلية ذكية ومتكاملة».
وأشار إلى أن النظام الجديد سيُدمج مع نظام الموارد البشرية بما يسمح بمنح الصلاحيات للموظفين بناءً على المهمة لا الموقع الجغرافي، الأمر الذي من شأنه تعزيز الانضباط المؤسسي وتقليص الهدر في توزيع الموارد البشرية.
وحول الإطار التشريعي، تحدث العكاليك عن القانون الجمركي الجديد الذي وصفه بـ«العصري»، موضحاً أنه يستند إلى ثلاث ركائز أساسية. وقال: «المحور الأول يتمثل في تفعيل التدقيق اللاحق بدلًا من التدقيق الحدودي، ما يسهم في تسهيل حركة التجارة ويخفف الضغط على المعابر. المحور الثاني هو توحيد الجهات الرقابية تحت مظلة دائرة الجمارك، بما يؤدي إلى تبسيط الإجراءات، فيما يتمثل المحور الثالث في إدماج التكنولوجيا بشكل رسمي في العمليات الجمركية، بحيث يتمكن صاحب العلاقة من متابعة عملية الكشف الجمركي عن بعد».
وأضاف أن القانون الجديد جاء نتاج حوار وطني موسّع مع الشركاء في القطاعين العام والخاص، وقد نجح في حسم عدد من النقاط الخلافية الجوهرية، لا سيما تلك المتعلقة بتقدير القيمة وتوقيت ضبط البضاعة، وتم إقراره بسلاسة عبر المؤسسات التشريعية.
وفي ما يتعلق بالعلاقات الجمركية مع سوريا، كشف العكاليك عن خطة تطوير متقدمة لمركز حدود جابر، بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والأشغال العامة الأردنية. وقال إن هذه الخطة تستهدف تعزيز قدرة المركز على التعامل مع الحركة التجارية العابرة (الترانزيت)، والتي شهدت تحسنا ملموسا مؤخرا.
وأوضح أن البنية التحتية للمركز تخضع حاليًا لتحديثات شاملة لتحسين انسيابية الشحن، وأضاف: «مركز جابر يمثل نقطة ربط محورية بين الأسواق الخليجية والسوق السورية، ومن هنا تأتي أهمية رفع كفاءته التشغيلية والفنية، بالتوازي مع تكامل الجهود مع أنظمة التتبع الإلكتروني والرقابة الذكية».
وفي ملف مكافحة التهريب، أكد العكاليك أن الجمارك الأردنية تعتمد حالياً على أدوات تحليل استخباري وأنظمة مخاطر ذكية مطورة محلياً. وقال: «التهريب ظاهرة عالمية دائمة التغير، لكننا نواكب هذه التغيرات باستخدام أنظمة قادرة على كشف الأنماط المعقدة للتهريب، لا سيما في قضايا السجائر الإلكترونية والدخان والمخدرات».
وأشار إلى أن العمل يتم ضمن منظومة أمنية متكاملة، تشمل التعاون الوثيق مع الأجهزة الأمنية المختلفة، تحت مظلة القانون وبروح الفريق الواحد، بهدف حماية الاقتصاد الوطني.
كشف العكاليك عن إطلاق نظام «الإفراج المسبق» للبضائع بداية من يونيو المقبل، موضحًا أنه سيتيح للتجار تقديم تصريح مسبق للبضائع، على أن يُستكمل التدقيق لاحقًا ضمن نظام مخاطر ذكي. وقال: «النظام سيوفر وقتاً وجهداً كبيرين في المعابر، وسيبدأ تطبيقه على الشركات الملتزمة ضمن القائمة الفضية، مع تقييم مستمر لتوسيعه لاحقاً».
وفي ما يخص التجارة الإلكترونية، لفت العكاليك إلى أن الأردن يعد من الدول السباقة في هذا المجال، مشيراً إلى أن مركز التجارة الإلكترونية تعامل مؤخراً مع أكثر من مليون بوليصة. وأضاف: «نعمل على خلق توازن منظم بين التجارة الإلكترونية والتقليدية، من خلال شراكة فعالة مع غرفة تجارة الأردن، بهدف ضمان العدالة وتعزيز التنافسية».
وختم العكاليك حديثه بالتأكيد على أن الأردن ماضٍ في مسار رقمنة العمل الجمركي واستثمار التكنولوجيا لأقصى مدى، مشيراً إلى أن مشروع النظام الشامل سيجعل من الجمارك الأردنية بيئة متقدمة تستجيب لمتطلبات الاقتصاد الحديث. وقال: «مستقبل العمل الجمركي يعتمد على الابتكار والتكامل، ونحن نؤمن بأن الشراكات المستدامة مع الأشقاء والأصدقاء تشكل ركيزة رئيسية في تحقيق هذا الهدف».