وسط تزاحم العالم في سباق التحول نحو الطاقة النظيفة، باتت السيارات الكهربائية تفرض واقعاً جديداً يتزايد حضوره تدريجياً في الشوارع، لا سيما في الدول التي بدأت تستثمر في البنية التحتية، وتمنح إعفاءات تشجيعية للمستهلكين.
وفي الأردن، بدأ هذا التحول يطرق أبواب البلديات التي شرعت بتركيب شواحن كهربائية سريعة ومجانية في بعض المناطق العامة، ما يفتح باب التساؤل واسعاً حول مستقبل محطات الوقود التقليدية، وما إذا كنا نشهد بدايات تأثرها أو تلاشيها مع تمدد بنيتها التحتية والشحن المجاني على حساب البنزين والديزل.
أصبح التوسع في السيارات الكهربائية جزءاً من الرؤية الاقتصادية والبيئية لعدد من الحكومات، التي باتت تنظر إلى وسائل النقل كأداة مهمة لتقليل انبعاثات الكربون وتقليل الاعتماد على الوقود. ففي الأردن على سبيل المثال لا الحصر، ارتفعت أعداد السيارات الكهربائية المرخصة خلال السنوات الأخيرة، نتيجة سياسات الدعم والإعفاءات الجمركية التي جعلت من اقتنائها خياراً ممكناً لمزيد من المواطنين، وهو ما تشجعه دول كثيرة في المنطقة والعالم نحو استخدام التطور اللافت في المركبات.
ويلاحظ حالياً أن البلديات بدأت تؤدي دوراً داعماً لهذا التحول، من خلال تركيب شواحن كهربائية مجانية في الساحات العامة والطرق الحيوية، ما يسهم في تعزيز الثقة باستخدام هذه المركبات، ويشجع مالكيها على الاعتماد عليها لمسافات أطول دون قلق.
رغم أن السيارات الكهربائية تكتسب أرضاً جديدة يوماً بعد يوم، إلا أن مستقبل محطات الوقود لا يزال قائماً، وإن كان يواجه تحديات محتملة.
وفي هذا الإطار، يرى وزير الطاقة الأردني الأسبق محمد حامد في تصريح لـ«إرم بزنس» أن انتهاء عصر محطات الوقود أمر غير وارد في المدى المنظور، رغم التأثير التدريجي المتزايد للسيارات الكهربائية. ويشير إلى أن عدداً من الدول أعلنت نيتها حظر دخول سيارات الوقود التقليدية اعتباراً من 2025 و2030 و2040، مما يعكس تحولاً استراتيجياً لدى تلك الدول.
لكنه يؤكد أن التحول الكامل يحتاج إلى وقت طويل، بسبب استثمارات شركات السيارات في خطوط إنتاج ضخمة للمركبات التي تعمل بالوقود، والتي لا يمكن إغلاقها بسهولة. كما أن دولاً عديدة لا تزال تعاني من ارتفاع أسعار الكهرباء، ولم تستثمر بعد في الطاقة المتجددة، ما يجعل من الصعب تعميم التجربة الكهربائية لديها.
حامد أشار أيضاً إلى أن الأسعار الحالية للسيارات الكهربائية أصبحت أكثر جاذبية مقارنة بالسابق، ما حفز العديد من المستهلكين على اقتنائها، خاصة مع تطورها الكبير من حيث القدرة على قطع مسافات طويلة بالشحنة الواحدة، وتقديمها مزايا تتعلق بالسلامة والتكنولوجيا قد لا تتوفر في السيارات التقليدية. وأضاف أن الصين أصبحت الدولة الأولى في العالم بإنتاج السيارات الكهربائية والبطاريات المتطورة، مما يعطي دفعة إضافية لهذا القطاع.
واقع الحال يفرض على محطات الوقود التفكير جدياً في التحديث والتكيف مع متغيرات السوق، خاصة أن السيارات الكهربائية لا تحتاج إلى الوقود التقليدي، مما قد يؤدي إلى تراجع المبيعات في المستقبل.
بعض المحطات بدأت فعلاً بإضافة شواحن كهربائية إلى خدماتها، في محاولة لمواكبة التحول، إلا أن التوسع في هذا التوجه لا يزال محدوداً، ويحتاج إلى دعم حكومي واستثمارات كبيرة من القطاع الخاص.
التعامل مع هذا التغير لا ينبغي أن يكون بردة فعل مؤقتة، بل باستراتيجية بعيدة المدى تعيد تعريف دور محطات الوقود كمراكز شاملة لخدمة المركبات، بغض النظر عن نوع طاقتها.
ويؤكد الباحث في شؤون الطاقة والنفط ومشتقاته هاشم عقل في تصريحه لـ«إرم بزنس» أن «الواقع الجديد يفرض نفسه على القديم»، مشيراً إلى أن الانتشار المتزايد للسيارات الكهربائية سيؤثر بلا شك على مبيعات المشتقات النفطية في المستقبل، لكنه يشدد على أن تأثر محطات الوقود سيكون تدريجياً، ولن يحدث بين ليلة وضحاها.
ويضيف أن على مشغّلي المحطات أن يتبنوا سياسات تطوير حقيقية تواكب التطورات العالمية، من خلال تجهيز محطاتهم بمعدات حديثة لشحن السيارات الكهربائية، حتى يتمكنوا من تعويض تراجع مبيعات البنزين والديزل.
عقل يلفت أيضاً إلى أن هناك تطورات تقنية موازية مثل سيارات الهيدروجين الأخضر، التي تتمتع بكفاءة عالية، وتعد صديقة للبيئة، مما قد يشكل منافساً إضافياً في المستقبل. ومع ذلك، فإن تراجع فاتورة استيراد الوقود يمكن أن يشكل فرصة اقتصادية للدول، حيث ستتمكن من توجيه الأموال التي كانت تُنفق على الوقود لمشاريع تنموية تخلق فرص عمل جديدة.
لكنه يختتم بالقول: «لا أقول إن محطات الوقود ستنتهي، أو أن السيارات الكهربائية ستغلب التقليدية حتى في 2030، ولكن في 2050 سنكون أمام واقع مختلف تماماً لصالح السيارات الكهربائية، وهذا سيؤثر بشكل مباشر على منتجي ومصدري النفط، لأن الدراسات تشير إلى أن 65% من استهلاك الوقود يذهب لوسائل النقل، وهذا الرقم بدأ يتناقص بنسبة تصل إلى 10% سنوياً على مستوى النقل البري».
دول عربية عدة بدأت فعلياً بخطوات ملموسة لدعم السيارات الكهربائية، من بينها الإمارات، والسعودية، والمغرب، ومصر، والأردن، حيث تعمل هذه الدول على بناء بنى تحتية تشمل شواحن كهربائية مجانية أو مدعومة في الأماكن العامة، إلى جانب إعفاءات جمركية أو ضريبية للمركبات الكهربائية.
في الإمارات مثلاً، توفر هيئة كهرباء ومياه دبي «ديوا» شواحن مجانية في مواقف السيارات الحكومية، بينما أعلنت السعودية عن استثمارات كبيرة في قطاع السيارات الكهربائية. وفي المغرب، تتوسع مشاريع الشحن بالتوازي مع الطاقات المتجددة، في حين وفرت القاهرة وعمان شواحن كهربائية في مواقف رئيسية وساحات عامة بدعم من البلديات.
تشير بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى أن مبيعات السيارات الكهربائية في 2023 بلغت أكثر من 14 مليون سيارة، ما يمثل نحو 18% من إجمالي المبيعات العالمية، ويتوقع أن تصل النسبة إلى 35% بحلول عام 2030. كما أن الصين وحدها استحوذت على نحو 60% من هذه المبيعات، تليها أوروبا، ثم الولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بالتكلفة، تظهر أرقام عالمية أن مستخدم السيارة الكهربائية يوفر ما بين 70% إلى 80% من كلفة الوقود مقارنة بالسيارة التقليدية. ففي حين كان متوسط ما يدفعه الفرد شهرياً للوقود نحو 400 دولار، فإن سيارات الكهرباء تخفض هذا الرقم إلى أقل من 50 دولاراً.
التحول قادم.. ومحطات الوقود مطالبة بالتكيف
خلاصة المشهد أن التحول نحو السيارات الكهربائية أصبح واقعاً يتعزز يوماً بعد يوم، مدفوعاً بالتقنية والسياسات والوعي البيئي. ومع أن محطات الوقود لن تنتهي قريباً، إلا أن استمرارها مرهون بقدرتها على التحديث والتكيف مع متطلبات المرحلة الجديدة، وإلا فإن السوق سيتركها خلفه.