في الوقت الذي تلقت فيه سلطنة عمان إشادة من صندوق النقد الدولي لنجاحها في تقليص ديونها العامة والسيطرة على عجز الميزانية، تواجه حكومتها تحديات متزايدة في معالجة ارتفاع معدلات البطالة، مما يفرض تحديات جديدة على السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
بحسب البيانات الأخيرة من مزود البيانات العالمي «سي إي آي سي» (CEIC)، ارتفعت معدلات البطالة في عمان إلى 3.6% في يناير، مقارنة بـ3.3% في الشهر الذي قبله. ويُعد هذا الارتفاع أعلى من المعدل المتوسط الذي بلغ 2.8% منذ بدء تسجيل البيانات الشهرية في عام 2018.
وفقاً لموقع (AGBI)، من غير المرجح أن تسهم إعادة هيكلة «الطيران العماني» الأخيرة في تحسين الأرقام المتعلقة بالبطالة؛ فقد قامت الشركة المملوكة للدولة بتسريح 1000 موظف، أي ما يعادل ربع قوتها العاملة، إذ كان 40% منهم من العمانيين. وتعد هذه التسريحات حدثاً نادراً في سوق العمل المحلي.
تواجه جهود سلطنة عمان في خلق الوظائف صعوبة في مواكبة الطلب المتزايد، إذ يبلغ عدد سكان البلاد حوالي 5.5 مليون نسمة، يشكل العمانيون نحو 55% منهم. وتعاني عمان بشكل خاص مشكلة البطالة بين الشباب، فقد أشار البنك الدولي في عام 2023 إلى أن معدل البطالة بين من هم دون سن 24 عاماً بلغ حوالي 14%، مع كون النساء يشكلن الغالبية العظمى من العاطلين عن العمل.
وقال حسن الحراصي، مدير «مانباور لينكس» (Manpower Links) في مسقط، في تصريح لـ(AGBI): «لطالما اعتمدت عمان، مثلها مثل دول الخليج الأخرى، على الوافدين بسبب خبرتهم وتكلفة توظيفهم المنخفضة. كان هذا المبرر قائماً حتى الآن، لكن مع التحديات الاقتصادية الحالية، ومع تزايد عدد السكان العمانيين، أصبح الوضع يستدعي إعادة النظر في هذا النموذج».
وفي الوقت ذاته، يبدي جزء كبير من الشباب العماني رفضاً للعمل في الوظائف اليدوية. وفي هذا السياق، قالت يقين الشامسي، خريجة تخصص مالية: «الشباب العمانيون لا يعملون في الوظائف اليدوية، والديّ لن يسمحوا لنا بذلك».
أسهمت معدلات البطالة المرتفعة، خاصة بين الشباب، في الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة خلال الربيع العربي عام 2011، بما في ذلك عمان. وفي خطوة نحو معالجة هذه القضية، أفادت وكالة الأنباء العمانية (ONA) هذا الأسبوع بأن الحكومة تعمل على تطوير تدابير جديدة تهدف إلى استبدال العمالة الوافدة بالعمانيين، على الرغم من أنها لم تكشف بعد عن التفاصيل الدقيقة لهذه الإجراءات.
وفي حوالي نصف مليون شركة في سلطنة عمان، يشكل العمانيون أقل من 14% من القوى العاملة، إذ يبلغ عددهم نحو 260,000 مقارنة بـ 1.65 مليون وافد. ورداً على ذلك، تعهد محاد باعوين، وزير العمل، بإيجاد 45,000 وظيفة هذا العام مخصصة للعمانيين فقط، في الوقت الذي يدخل فيه حوالي 55,000 خريج عماني من المدارس والجامعات سنوياً إلى سوق العمل.
لتشجيع التوظيف في القطاع الخاص، قدمت وزارة العمل في عام 2023 حوافز مالية تقدر بـ250 ريالاً عمانياً، أي حوالي 650 دولاراً أميركياً، شهرياً لكل عماني يتم توظيفه في أول 12 شهراً. ومع ذلك، يرى الخبراء أن هذه الحوافز قد لا تكون كافية لتحفيز الشركات على استبدال موظفيها الوافدين بخريجين عمانيين ذوي خبرة محدودة، نظراً للتحديات المالية والتشغيلية التي قد تواجهها هذه الشركات.
وقال علي المحروقي، رئيس كلية الهندسة في الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا: «بالنسبة لهذه الشركات، تشكل المخاطر المالية والتشغيلية عائقاً كبيراً أمام استبدال القوى العاملة الأجنبية، فالمزايا التي توفرها العمالة الأجنبية، مثل الأجور المنخفضة واستعدادها للعمل لساعات أطول دون تقديم شكاوى بشأن وضعها الوظيفي، تجعل من الصعب مقاومتها».
يعمل الوافدون في عمان في مجموعة متنوعة من القطاعات، إذ يشغل حوالي نصفهم وظائف يدوية مثل البناء والخدمات المنزلية والسائقين والتنظيف، بينما يشغل البقية قطاعات التجزئة والرعاية الصحية والسياحة والفنادق والمالية. ومع ذلك، أشارت الشمسي إلى أنه «نحن كخريجين قادرون على قبول الوظائف غير اليدوية، ولكن أصبح الأمر الآن أكثر تحدياً؛ نظراً لأن أصحاب العمل يجعلون من الصعب علينا الحصول على وظائف بسبب مستوى الرواتب».
حددت الحكومة الحد الأدنى للأجور للعمانيين بـ400 ريال عماني شهرياً، إلا أن غالبية الخريجين الجدد يرفضون قبول رواتب أقل من 600 ريال عماني. ومع تفاوت الأجور الذي يشمل العمالة الوافدة ذات الأجور المنخفضة، يواجه أصحاب العمل تحديات كبيرة في توظيف العمانيين.
ويجادل الاقتصاديون بضرورة تسريع عمان لعملية تنويع اقتصادها بهدف إيجاد فرص عمل كافية لخريجيها الجدد، إذ بلغ حجم مبيعات قطاع اللوجستيات في عمان نحو 6 مليارات دولار العام الماضي، وتستهدف الحكومة زيادته بأكثر من 15 ضعفاً ليصل إلى 93 مليار دولار بحلول عام 2040، مع التركيز على تطوير التقنيات اللوجستية الحديثة، وتعزيز التجارة الدولية، وتوسيع الأسواق، وتحسين الاتصال.
حققت عمان تقدماً ملحوظاً في مجال الطاقة المتجددة، إذ أبرمت اتفاقيات تفوق قيمتها 14 مليار دولار لتوليد الطاقة من مصادر الطاقة الشمسية، الرياح، والطاقة الكهرومائية خلال السنوات الخمس الماضية. وتنتج عمان حوالي مليون برميل من النفط الخام يومياً، مما يشكل نحو 70% من دخلها القومي. وفي إطار سعيها للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري، أولت الحكومة اهتماماً كبيراً بتطوير مصادر الطاقة المتجددة.
وأضاف سيف الكندي، الاقتصادي في منتدى الأعمال العماني، أن السلطنة تمضي في الاتجاه الصحيح، لكنه شدد على ضرورة تسريع وتيرة العمل، وأوضح أن «هناك جهوداً واضحة في قطاعات مثل الطاقة المتجددة واللوجستيات، وهي نماذج واعدة يمكن أن تسهم في خلق فرص عمل مستدامة».