وكالات الشحن: أولوية لاعتبارات السلامة البحرية وسلامة الأطقم
منذ تدشينها قبل عشرات العقود أصبحت قناة السويس إحدى أكثر ممرات الشحن استخداماً في العالم، لكنها واجهت تراجعاً حاداً بسبب هجمات الحوثيين على السفن المارة في البحر الأحمر عقب اندلاع حرب غزة، قبل أن يتوصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً لاتفاق معهم على وقف إطلاق النار، ما أعاد الأمل بقرب عودة حركة الملاحة إلى القناة لطبيعتها.
ويرى خبراء نقل وشحن بحري تحدثوا لـ«إرم بزنس» أن هذه العودة مشروطة بالكثير من الإجراءات، بسبب حساسية قطاع النقل البحري وارتفاع تكلفة التأمين على السفن وضرورة تلبية مطالب الشركاء والاستثمار في الخدمات المساندة لاستعادة الموقع الحيوي للقناة في التجارة العالمية.
تراجعت إيرادات قناة السويس، منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، 62.3% لتقتصر على نحو 1.8 مليار دولار خلال النصف الأول من السنة المالية 2024 - 2025 وفق بيانات البنك المركزي المصري.
ويرجع ذلك إلى انخفاض عدد السفن العابرة 52.2% لاضطرار العديد من شركات الشحن التجارية لتحويل مسارها إلى ممرات بديلة.
فخلال عام 2024 عبرت فقط 13221 سفينة بينما كان الرقم في العام السابق 26434 سفينة، طبقاً للتقرير السنوي لإحصائيات المرور بقناة السويس.
في الأيام الأخيرة، سادت حالة من التفاؤل الحذر بين المسؤولين عن هيئة قناة السويس بعد الإعلان عن وقف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر التي تشمل ناقلات مشتقات البترول والغاز الطبيعي المسال والمواد الكيماوية وسفن البضائع والحاويات وحاملات السيارات والركاب والسفن الخاصة والحربية.
وجاء رد الفعل السريع بإعلان الهيئة تقديم خصم بين 12% و15% على رسوم العبور، لاستعادة حركة الملاحة، حسب ما أعلنه رئيسها أسامة ربيع.
لكن يبدو أن تخفيض رسوم العبور ليس كافياً لاستعادة حركة الملاحة في القناة حسبما يرى وزير التنمية المحلية ورئيس هيئة قناة السويس السابق الدكتور أحمد درويش، خلال رده على سؤال «إرم بزنس» حول إمكانية جذب واستعادة ثقة شركات النقل والملاحة للعبور، بقوله إن التخفيض مفيد لكنه لن يعيد العبور إلى نسبه المعتادة بسبب أن الضرورات الأمنية أو المخاطرة لا تقاس أو تواجه بالتخفيض وحده.
خلال الأسبوع الماضي، اجتمع رئيس الهيئة أسامة ربيع مع ممثلين عن وكالات الشحن البحري، الذين دعوا إلى تقديم حوافز مؤقتة قد تساعد على تعويض زيادة تكاليف التأمين على السفن التي تعبر البحر الأحمر الذي يعد منطقة عالية المخاطر، حسبما قال ممثلو 25 جهة من الخطوط والتوكيلات الملاحية الكبرى.
كذلك تم بحث سبل وآليات العودة التدريجية للعبور بالمنطقة مع مراعاة اعتبارات السلامة البحرية وسلامة الأطقم.
من جانبه، يرى خبير النقل الدولي أسامة عقيل، في حديث مع «إرم بزنس» أن الخطوط الملاحية بدأت تعاني من تبعات الالتفاف حول طريق رأس الرجاء الصالح، ما يجعل العبور من قناة السويس قراراً اقتصادياً في المقام الأول.
فيما أعرب رئيس مجلس إدارة شركة «الخليج العربي للأعمال البحرية والتجارة» (EVERGREEN LINE) خلال اجتماعه مع رئيس هيئة قناة السويس عن أمله بأن تحمل التطورات الأخيرة رسالة طمأنة إيجابية للخطوط الملاحية الكبرى بما يسهم نحو سرعة عودتها مرة أخرى للعبور من قناة السويس وتحقيق نتائج مبشرة لإيرادات القناة في نهاية العام الجاري.
في ظل إجماع الخبراء على أن طريق رأس الرجاء الصالح ليس حلاً مستداماً، تبلورت مجموعة من الاقتراحات للخروج من الأزمة الحالية يأتي في مقدمتها عقد مؤتمر ملاحي عالمي لطمأنة الشركات الدولية، وخفض تكاليف التأمين بالتعاون مع شركات التأمين العالمية، وتعزيز خدمات الصيانة واللوجستيات لجذب السفن للعودة، وفق بيان للهيئة.
كذلك تتضمن الاقتراحات دراسة إمكانية عقد شراكة مع إحدى الشركات العالمية المتخصصة في التأمين على بدن وماكينات السفن، والتواصل الدائم مع شركات الشحن والخطوط الملاحية وعمل زيارات مستمرة لشرح الموقف وتطوراته.
وتشمل أيضاً منح حوافز تشجيعية مؤقتة للخطوط الملاحية وفق ضوابط تحددها الهيئة وذلك للمساهمة في تعويض ارتفاع الرسوم التأمينية التي تفرضها شركات التأمين على السفن العابرة بمنطقة البحر الأحمر، ما قد يسهم في التعجيل بعودة السفن مرة أخرى لا سيما سفن الحاويات الضخمة.
بحسب أسامة عقيل، فإن قناة السويس ستظل رغم تراجع مكانتها الحالية في التجارة الدولية الطريق الأسرع والأكثر كفاءة، بسبب المشكلات التي تواجهها السفن عبر طريق رأس الرجاء الصالح وما تعانيه من ارتفاع نسبة حوادث السفن بسبب الطقس السيئ ما يجعل العودة للعبور في قناة السويس أمراً حتمياً بشرط استعادة الاستقرار والأمان.
بدوره، يؤكد عبد الرحمن علي ثروت من توكيل (ONE) الملاحي أنه لا غنى عن قناة السويس وأن عودة الخطوط الملاحية للقناة حتمية والأمر يتعلق فقط بعنصر الوقت ومدى استمرار المؤشرات الإيجابية الأخيرة، بحسب بيان الهيئة.
كما يتفق معه هاني السلامي من توكيل (COSCO) مبيناً أن التحدي الأكبر يتعلق بعنصر الوقت في ظل اهتمام الخطوط الملاحية ببعض المعطيات المرتبطة بالتخوفات الأمنية وتكلفة التأمين على السفن.