ليبيا تستورد ليتر الوقود بـ71 سنتاً وتبيعه بـ3.1 سنت
في ظل أزمة اقتصادية ضاغطة، وتراجع قيمة الدينار، يجد أصحاب القرار في ليبيا أنفسهم مجدداً أمام خيار يصعب الفرار منه: رفع دعم الوقود، الأمر الذي تفرمله الانتقادات الشعبية، ومخاوف غلاء الأسعار.
التحركات الحكومية التي بدأت أواخر 2023 و2024، عادت قبل أيام بالحديث عن رفع للدعم مصحوباً ببدائل في ظل ضغوط اقتصادية أدت إلى تخفيض اضطراري لسعر الدينار.
ورجح خبراء ليبيون لـ«إرم بزنس»، احتمال تطبيق الرفع، مشترطين لنجاحه خطة واضحة وشفافة وجادة في ظل وُجود رقابي حاسم.
ووصلت تكلفة دعم الوقود في ليبيا خلال أول 11 شهراً من العام 2024 إلى 2.19 مليار دينار ليبي، بحسب ما كشفته بيانات البنك المركزي في البلاد، وفي ديسمبر 2024، أوصى تقرير لخبراء في صندوق النقد بإجراءات لإصلاح دعم الطاقة في ليبيا.
وتستورد ليبيا لتر الوقود بنحو 3.5 دينار «71 سنتاً»، وتبيعه بـ0.15 دينار «3.1 سنت»، فيما يُهَرَّب جزء منه للخارج، لاسيما دول الجوار بأسعار مضاعفة تصل إلى 1.94 دولار للتر ، أي بزيادة 19 مرة بحسب تقديرات أممية منتصف يونيو 2023.
وظهرت شبكات تهريب الوقود المدعوم بشكل لافت عقب الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، واشتدت بعد انقسام ليبيا في 2014 بين سلطتين إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب، وتسببت بخسارة خزينة الدولة 750 مليون دولار سنوياً، بحسب تقديرات منظمة «ذا سنتري» المعنية بالتحقيقات الاستقصائية.
ووفق تقرير ديوان المحاسبة الليبي الصادر عام 2017، فإن ليبيا أنفقت 30 مليار دولار لدعم المحروقات خلال الفترة من عام 2012 وحتى عام 2017. ومع تفاقم عمليات تهريب الوقود، أشار التقرير إلى أن التهريب يشكل 30% من إجمالي قيمة الدعم.
في نوفمبر 2023، اقترح رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، رفع الدعم عن المحروقات للقضاء على ظاهرة تهريب الوقود، لافتاً إلى أن أرقام الدعم أصبحت مخيفة.
وعاد الدبيبة في يناير 2024، وأعلن نيته طرح مسألة رفع الدعم عن الوقود في استفتاء عام، لكنه لم ينفذ ذلك إثر انتقادات واجهته للمرة الثانية لا سيما عبر منصات التواصل.
بدورها، أعلنت حكومة الاستقرار شرق ليبيا برئاسة أسامة حماد، أواخر ديسمبر 2024، الموافقة على مقترح لتصحيح الدعم عن الوقود، وإعداد آلية مناسبة للتطبيق، لكن المقترح لقي مصير سابقه.
وبعد 4 أشهر ونحو أسبوعين من خفض قيمة للدينار، ومطالب للمصرف المركزي بتقليل الإنفاق الحكومي، عاد الدبيبة، في 22 أبريل الماضي لمحاولة جديدة، طارحاً خلال منتدى اقتصادي في طرابلس 3 بدائل، أولها «منح دعم نقدي للمواطن»، أو ضخه في الرواتب، أو تخصيص حصة لكل مواطن من الوقود المدعم تُصرف ببطاقات.
وأضاف: «نحن الأرخص عالمياً الآن في سعر الوقود، والحكومة عجزت عن مجاراة هذا السعر الرخيص للوقود، وإيقاف تهريبه لدول الجوار وأوروبا عبر بعض الموانئ».
وانتقد عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس الدولة علي السويح، إعلان الديبية في تصريحات صحفية مطلع مايو الجاري، باعتبار أن البدائل تتجاهل الجذر الحقيقي للأزمة مع سوء إدارة الموارد مع إنفاق حكومي كبير، فضلاً على أن التهريب نتاج فشل في الرقابة، وليس ذنب المواطن.
ورأى أن تحويل الدعم إلى مبالغ نقدية سيفتح الباب أمام ارتفاع الأسعار؛ ما يفقد الزيادات قيمتها الفعلية، فضلاً عن غياب ضمانات استمرار الدعم النقدي بسبب تقلبات السياسة.
وكان المصرف المركزي قرر في بيان يوم 6 أبريل الماضي «تخفيض قيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية 13.3%»، ليصبح 5.5677 دينار مقابل الدولار، في أول خفض رسمي منذ عام 2020، مرجعاً ذلك إلى إنفاق حكومي تجاوز 224 مليار دينار في 2024.
وقبل أسبوعين، أكد ناجي عيسى محافظ البنك المركزي الليبي المسؤول عن إيرادات النفط المصدر الرئيس للعملة الأجنبية بالبلاد ودفع رواتب موظفي الدولة، في لقاءات مع أعضاء مجلس النواب الليبي، ورئيسي الحكومتين عبدالحميد الدبيبة وأسامة حماد، أن «الوضع الاقتصادي يتطلب قرارات جريئة، وتعاوناً وطنياً واسعاً، لتفادي سيناريوهات الانهيار الاقتصادي».
قال المستشار السابق بوزارة النفط والخبير النفطي الدكتور أحمد الغابر لـ«إرم بزنس»، إن رفع الدعم عن الوقود في ليبيا مسألة اقتصادية أمنية، وسيكون لها تأثير إيجابي على المدى المتوسط، ولكنها على المدى القصير مربكة للحكومة ومخيفة للموطنين خاصة مع احتمال سوء التطبيق وخشية أن يكون للمهربين أيد وعيون وأدوات يلتفون بها على أي بدائل.
ولفت إلى أن رخص سعر البنزين ساهم بتهريب الوقود بشكل كبير وكأن ليبيا محطة وقود العالم، ما أدى إلى نزيف بالمليارات، لافتا إلى أنه في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة حالياً يمكن القبول نظرياً بتطبيق مشروط وتدريجي للبدائل المقترحة، والتي بينها منح مبلغ لا يقل عن 1000 دينار شهريا كما يتردد، لكن الأمر عملياً محفوف بالمخاطر والأضرار للمواطنين.
جزم الخبير الليبي السابق بمنظمة «أوبك» الدكتور محمد الشحاتي بالحاجة الماسة لإصلاح نظام دعم الوقود في ليبيا، وهو ما يجب أن يتم وفقاً لخطة مدروسة تتجنب الآثار السلبية على الاقتصاد والمواطن الليبي.
واعتبر أن الاقتصاد الليبي في مرحلة نمو بعد سنوات عديدة من الكساد والاضطراب الشديد أدت إلى خفض جسيم في سعر صرف الدينار، مشدداً على أن أي قرارات غير محسوبة قد تؤدي إلى تعثر مؤلم وتراجع على المستوى الاقتصادي والاجتماعي على السواء.
ولفت إلى أن التحول للدعم النقدي يحتاج نظاماً مالياً ونقدياً مستقراً مع استهداف دقيق للفئات المحتاجة كي لا يتحول الأمر إلى بؤرة جديدة للفساد وسوء التوزيع.
وشدد على أن تنفيذ الإصلاحات يجب أن يراعي المرونة السعرية للطلب وفائض المستهلك لتفادي تراجع القدرة الشرائيةـ مشيراً إلى عدم وجود ما يشير إلى وجود خطة تحقق هذه الأهداف الحساسة.