توترات واسعة تشهدها العاصمة الليبية طرابلس دفعت أسامة حمّاد، رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي، للتلويح بإمكانية إعلان حالة «القوة القاهرة» على الحقول والموانئ النفطية؛ ما أعاد للأذهان قراراً مماثلاً قبل أشهر قليلة كبّد قطاع النفط خسائر في ظل أزمة اقتصادية بالبلاد.
الحقول النفطية التي يقع معظمها في شرق البلاد، سبق على مدار أكثر من عقد أن شهدت إغلاقاً تحت بند «القوة القاهرة»، وهو ما يراه خبراء اقتصاد ونفط بليبيا، في أحاديث لـ«إرم بزنس» أنه حال تحقق مجدداً سيُشكل معاناة جديدة للقطاع النفطي الذي يعتمد عليه الاقتصاد الليبي، وسيدفع المستوردين للبحث عن أسواق بديلة، وسيوثر في سعر صرف الدينار أمام الدولار، ويزيد معدل التضخم السلعي، ويؤدي إلى أزمة توفر المحروقات، ويزيد أعباء الديون المتراكمة.
وتعتمد ليبيا على نحو 98% من احتياجاتها للطاقة من النفط والغاز، بينما تقدر احتياطياتهما شبه الرسمية بنحو 48.8 مليار برميل نفط و1.4 تريليون متر مكعب من الغاز، في حين يمثل النفط القوة الدافعة للاقتصاد الليبي، إذ يشكل قرابة 96% من الصادرات، وما يصل إلى نحو 98% من إيرادات خزينة الدولة.
وتمثل الحقول والموانئ النفطية المغلقة من قبل حكومة شرق ليبيا ومقرها بنغازي 90% من المواقع النفطية الواقعة تحت سيطرتها.
رئيس منتدى بنغازي للتطوير الاقتصادي والتنمية، خالد بوزعكوك، قال لـ«إرم بزنس»، إن «تلويح حكومة أسامة حماد بفرض القوة القاهرة على الموانئ والحقول كردة فعل على اقتحام مقر المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس للأسف سيكون له تداعيات كبيرة على قطاع البترول الليبي».
وتشهد العاصمة طرابلس، منذ الـ12 من مايو الماضي توترات أمنية أدت لاندلاع اشتباكات بالأسلحة الثقلية بين قوات تتبع الحكومة بالغرب وتشكيلات مسلحة، تلاها احتجاجات رافضة لعدم الاستقرار بالبلاد وتطالب برحيل الحكومة بالغرب، ومسعى من مجلس النواب الليبي، لاختيار حكومة بديلة عنها.
وقبل أيام، لوحت حكومة حماد في بيان، بإعلان حالة «القوة القاهرة» على الحقول والموانئ النفطية، مرجعة ذلك إلى «اعتداءات متكررة على مؤسسات سيادية»، من بينها المؤسسة الوطنية للنفط والشركات التابعة لها.
كما لوّحت الحكومة أيضاً باحتمال «اتخاذ قرار بنقل مقر المؤسسة الوطنية للنفط إلى إحدى المدن الآمنة»، مثل: مدينة راس لانوف أو البريقة، الخاضعتين لسيطرتها، مؤكدة أن «مثل هذه الاعتداءات المتكررة» على مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسسات النفطية، من قبل مجموعات مسلحة «يشكل خطراً كبيراً على قطاع النفط، وعلى أموال وقوت الليبيين بشكل عام».
وسبق في أكتوبر الماضي أن أعلنت حكومة حماد حالة «القوة القاهرة» على جميع الحقول والموانئ، وإيقاف إنتاج وتصدير النفط «حتى إشعار آخر»، رداً على تغيير محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، من قبل سلطات طرابلس، وأكدت المؤسسة الوطنية للنفط أن إغلاق حقول نفطية في المدة الأخيرة تسبب بفقد 63% تقريباً من الإنتاج الكلي للنفط في البلاد.
وفي ظل هذا الاحتمال المثار، يرى بوزعكوك أن القطاع «يعاني مشاكل كثيرة من حيث جذب الاستثمارات الأجنبية وإشكالية تجديد الآبار والمرافق الإنتاجية، فضلاً عن كونه الممول الوحيد للميزانية العامة، وأهمها بند المرتبات. وعانى كثيراً في السابق من توقف التصدير وتكرار فرض القوة القاهرة؛ ما جعل مشتري البترول والغاز الليبي يبحثون عن مصادر بديلة ومنها الجزائر بسبب فقدان الثقة في السوق الليبي».
ولفت إلى أنه إذا حدث ذلك الإغلاق مجدداً «سيؤثر ذلك سلباً على سعر صرف الدينار أمام الدولار المرتفع أصلاً، وسيسهم في ارتفاع معدل التضخم السلعي، وسيفاقم أزمة توفر المحروقات والوقود الحالية، ويزيد أعباء الديون المتراكمة نتيجة لحجم الإنفاق الكبير من قبل الحكومتين».
وكان المصرف المركزي قرر في بيان يوم الـ6 من أبريل الماضي «تخفيض قيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية 13.3%»، ليصبح 5.5677 دينار مقابل الدولار، في أول خفض رسمي منذ عام 2020، مرجعاً ذلك إلى إنفاق حكومي تجاوز 224 مليار دينار في 2024.
ووقتها أكد ناجي عيسى محافظ البنك المركزي الليبي المسؤول عن إيرادات النفط المصدر الرئيس للعملة الأجنبية بالبلاد ودفع رواتب موظفي الدولة، في لقاءات مع أعضاء مجلس النواب الليبي، ورئيسي الحكومتين عبدالحميد الدبيبة وأسامة حماد، أن «الوضع الاقتصادي يتطلب قرارات جريئة، وتعاوناً وطنياً واسعاً، لتفادي سيناريوهات الانهيار الاقتصادي».
وبالتوازي مع تلويح حكومة حماد، نفت «المؤسسة الوطنية للنفط»، في بيان، اقتحام مقرها، وأوضحت أن «ما جرى لا يتعدى كونه خلافاً شخصياً محدوداً وقع في منطقة الاستقبال... وتمت معالجته».
وتستهدف المؤسسة الوطنية الليبية للنفط تحقيق 1.7 مليون برميل يومياً بحلول نهاية عام 2027، ومليوني برميل بعد 2028، وسجلت في الـ30 من مايو الماضي 1.3 مليون برميل يومياً.
ومن جانبه، يرى المستشار السابق بوزارة النفط والخبير النفطي الدكتور أحمد الغابر، في تصريح لـ«إرم بزنس» أنه «ليس هناك بعد ما يؤكد نية حكومة الشرق في تنفيذ القوة القاهرة، ولو تأكد ذلك فسيكون لخلق أزمة سياسية جديدة أمام حكومة الوحدة الوطنية (بالغرب) لتسهيل اختيار بديل عنها، ويخدم هدف نقل مقر مؤسسة النفط إلى بنغازي وهو مطلب قديم للجهات النافذة في شرق ليبيا».
الغابر الذي شغل منصب محافظ ليبيا في منظمة الأوبك سابقاً يعتقد أنه «لا يوجد فرق ولا تمييز بين إدارة القطاع من موقعه في الشرق ولا في غرب ليبيا»، مضيفاً: «الكوادر البشرية القادرة والإمدادات الإدارية والفنية واللوجستية متوفرة وكما أعهدها جاهزة من كل ربوع ليبيا ولا داعي لخلق أي ربكة نقل إدارات وعاملين مكلفة وتعرض القطاع لدواعي الخطر».
ويرى الغابر أن «إرباك عمليات إنتاج النفط إن حدثت فعلاً فإنها ستكون معاناة عصيبة وغير مقبولة؛ لأنها لا تخدم الحاجة إلى المحافظة على سلاسة واستمرارية عمليات الإنتاج والتصنيع بأمن وسلام، وثانياً، لسبب استهلاكي مهم وهدف اقتصادي آخر حيوي لليبيا» مضيفاً: «إنتاج النفط والغاز يعتبر مصدر القوة الوحيد لليبيين واقتصاد البلاد إجمالاً، وكذلك يعتبر أحد روافد توفير النفط والغاز للسوق الدولية التي تعتبر إمدادات النفط الليبي جزءاً منها، وأن أي إرباكات أو توقفات تعتبر عملاً مرفوضاً ولا يخدم مصلحة أي طرف».
وأضاف: «الاقتصاد الليبي لا يمكنه المقاومة والاستدامة دون إنتاج النفط والغاز، ويعتبر دائماً في وضع قابل للتخلخل والضعف وأحياناً الانهيار، بسبب أي نقصان أو توقف لذلك الرافد الوحيد وهو النفط والغاز»، معتقداً أن «أي تحسن لحال الاقتصاد الليبي الحرج الحالي يأتي مع توحيد إدارة البلاد تحت راية سياسية موحدة تحكمها أجهزة إدارية وأمنية منتخبة واحدة، تعمل بتشريعات وقوانين متفق عليها بين الليبيين مع البدء السريع في التخطيط وتنفيذ مشاريع تدريجية لخلق روافد جديدة للاقتصاد الوطني بديلة عن النفط والغاز تشمل بعث مشاريع إنتاجية وصناعية عامة وخاصة في ربوع البلاد».
وتعطل إنتاج النفط الليبي مراراً خلال أكثر من عشر سنوات من الفوضى، بدأت في 2014 عندما انقسمت البلاد بين سلطتين متناحرتين في الشرق والغرب، بعد فترة من انتفاضة دعمها «حلف شمال الأطلسي»، وأطاحت بحكم الرئيس الراحل معمر القذافي في 2011.
وفي الـ13 من يناير 2025، أعلن المصرف المركزي الليبي أن عائدات النفط في عام 2024 تراجعت بنسبة تقارب 23% لتصل إلى 76.7 مليار دينار ليبي (15.5 مليار دولار)، مقارنة بـ99.1 مليار دينار (20.6 مليار دولار) في عام 2023.
وبلغ إجمالي مصروفات النقد الأجنبي في الربع الأول من العام الجاري نحو 9.8 مليار دولار، بينما الإيرادات النفطية والإتاوات الموردة للمصرف المركزي (تعاملات النقد الأجنبي لدى المصرف) بلغت نحو 5.2 مليار دولار حتى يوم الـ27 من مارس الماضي بعجز بلغ نحو 4.6 مليار دولار خلال ثلاثة أشهر فقط (الربع الأول)، فيما سيبلغ الدين العام الليبي 270 مليار دينار وسط توقعات بأن يتجاوز 330 مليار دينار بحلول نهاية العام، بحسب بيان سابق للمصرف.