مظهر صالح: حرب ترامب الجمركية تزيد التضخم في العالم كله
منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بدأ العالم يشهد تحولات جذرية في موازين الاقتصاد العالمي. افتتح الرئيس الأميركي ولايته الجديدة بحرب تجارية سرعان ما انعكست تداعياتها على معظم دول العالم، لتتبعها طفرة غير مسبوقة في إنتاج الولايات المتحدة من النفط.
وبالنسبة للعراق، الذي يرزح تحت وطأة تراجع أسعار الخام، جاءت هذه الطفرة لتزيد الأعباء على اقتصاده، وتدفع بغداد إلى البحث عن بدائل تقلّل من الاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية، في ظل تفاقم الديون الداخلية، وتقلص هوامش المناورة المالية.
مظهر صالح، المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء العراقي وعضو مجلس إدارة البنك المركزي وعضو المجلس الوزاري للاقتصاد، أثار تساؤلات حول السياسات النفطية الأميركية الحالية، مشيرًا إلى أنها تُلحق الضرر بدول وأعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، في الوقت الذي تخدم فيه الاقتصاد الصيني، رغم أن واشنطن تعلن مواجهةً مباشرة مع بكين.
وأوضح، في مقابلة مع «إرم بزنس» أن الولايات المتحدة ترفع إنتاجها النفطي إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخها، مستهدفة 15 مليون برميل يومياً، إلى جانب التوسع في إنتاج النفط الصخري رغم ارتفاع تكلفته.
وتهدف واشنطن، بحسب صالح، إلى خفض الأسعار نحو مستوى يتراوح بين 40 و50 دولاراً للبرميل، وهو ما يضر بالدول الحليفة من أعضاء «أوبك» الساعية للحفاظ على الأسعار ضمن نطاق 75 إلى 85 دولاراً، الذي يعتبر سعراً عادلاً، كما ينعكس سلباً على الشركات الأميركية ذاتها، في حين تستفيد الصين، باعتبارها أكبر مستورد للنفط في العالم بواقع 10 ملايين برميل يومياً، رغم كونها خصماً تجارياً مباشراً للولايات المتحدة، التي باتت، وفق تعبيره، تضر الحلفاء وتخدم الخصوم.
وبخصوص تداعيات هبوط أسعار النفط على العراق، يرى مظهر صالح أن هذا التراجع ينعكس بشكل سلبي للغاية على الاقتصاد العراقي، الذي اعتمد في موازنته السنوية على سعر برميل النفط عند 70 دولاراً، مع اقتراض جزئي لتغطية العجز. ويشير صالح إلى أن أي انخفاض في السعر عن هذا المستوى سيؤدي إلى تحول الاقتراض الجزئي إلى قروض كبيرة، إذ يصل الاقتراض السنوي إلى حوالي 64 تريليون دينار، وعند هبوط الأسعار دون 70 دولاراً، من المتوقع أن يرتفع الاقتراض بما يتجاوز نصف المعدل السنوي؛ ما ينعكس سلباً على الإنفاق العام.
وأوضح صالح أن العراق أمام خيارين في حال استمرار هذه الأزمة: الأول هو التقشف، والثاني هو تفاقم الديون الداخلية والخارجية. وهذا الواقع، بحسب صالح، يضع العراق أمام تحدٍ حقيقي للبحث عن بدائل تقلّل من اعتماده على النفط. ويؤكد أن العراق يملك موارد طبيعية متنوعة تُعد من بين الأغنى في العالم، حيث يُصنف في المرتبة التاسعة عالمياً من حيث تنوع هذه الموارد، التي تُقدّر قيمتها بأكثر من 16 تريليون دولار.
وأضاف أن العراق يمتلك أكبر مخزون من الكبريت في العالم، بالإضافة إلى ثاني أكبر مخزون من الفوسفات، مشيراً إلى أن تراجع أسعار النفط عالمياً دفع الحكومة العراقية إلى إعادة النظر في استثمار الموارد الطبيعية المهملة، بجانب الصناعات النفطية نفسها. ولفت إلى أهمية التركيز على القطاع الزراعي، الذي كانت هوية الاقتصاد العراقي قائمة عليه في الأساس، مؤكداً أن هناك إمكانيات كبيرة لتحقيق نتائج إيجابية من خلاله، وهو ما يتطلب تطوير تقنيات المياه لتعزيز الإنتاج الزراعي.
وأشار إلى أن العراق كان يتلقى حوالي 90 مليار متر مكعب من المياه سنوياً في السابق، إلا أن البلاد بدأت تتعرض لمشكلات التصحر بشكل متزايد، حيث فقدت نحو 6 ملايين دونم من الأراضي الزراعية خلال العشرين سنة الأخيرة. وأكد أنه يجب على العراق أن يسابق الزمن في تعزيز الإنتاج الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي وتقليل التصحر، وهو ما يعتبره جزءاً من استراتيجية السيادة الزراعية التي تمثل خياراً استراتيجياً للعراق، ويعدّ عنصراً أساسياً في الهوية الاقتصادية الوطنية ومفتاحاً مهماً لدعم الاقتصاد وتحقيق الاستقرار الغذائي.
وعن تأخر الإعلان عن الموازنة العامة الجديدة، أوضح صالح أن الموازنة قد أُقرت في العام 2023 لمدة ثلاث سنوات حتى 2025، مشيراً إلى أن سبب التأخير يعود إلى عاملين رئيسيين. الأول هو إقليم كردستان العراق الذي طالب بتقييم مختلف لتكلفة إنتاج برميل النفط في المنطقة؛ نظراً لاختلاف عقود الإنتاج والشراكة وغيرها من التفاصيل. أما العامل الثاني فهو هبوط أسعار النفط، الذي يستدعي إدخال تعديلات جوهرية في الموازنة وجداولها لتكييف هذه التغيرات مع الموازنة الجديدة.
ومع ذلك، أكد صالح أن هذا التأخير لا يؤثر على الإنفاق العام للدولة، مشيراً إلى أن قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2013 المعدل يسمح للحكومة العراقية بالإنفاق شهرياً بنسبة 1/12 من إنفاق السنة الماضية؛ ما يتيح لها تغطية الرواتب والدعم والمشروعات الخدمية.
وفيما يتعلق بالتغيرات التي طرأت على الساحة السورية، أشار صالح إلى أن اقتصادات السلام عادة ما تكون أكثر نفعاً، فعدم استقرار الجار يؤثر سلباً على اقتصادات دول الجوار. وأضاف أن استقرار الدول المجاورة يعكس إيجاباً على استقرار العراق واقتصاده. وأكد أن العراق يتبنى سياسة الحياد، ولا يتدخل في شؤون جيرانه، معرباً عن أمله في أن يكون مؤتمر القمة العربي المقبل مفيداً لجميع الدول المعنية.
ملف الفساد في العراق ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد العراقي، بحسب الدكتور مظهر صالح، الذي أكد أن الفساد تراكم في البلاد على مدار سنوات، ولم يظهر بين ليلة وضحاها؛ ما يجعل مكافحته أمراً غير يسير. وأضاف صالح أن الفساد بدأ يتكدس منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية، وتطور في فترة الحصار الاقتصادي وما تلاها من شبه مجاعة، وزاد بشكل كبير خلال الاحتلال الأميركي للعراق. وأشار إلى أن أخطر أنواع الفساد هو الفساد الكبير والمنظم، الذي يشمل عدة جهات في وقت واحد، وهو أكبر خطر يواجه العراق، بينما الفساد الصغير على مستوى الموظفين وبعض الإدارات يعتبر أقل تأثيراً، لكن التحدي الأكبر يكمن في الفساد الكبير المنظم الذي تسعى الدولة للحد منه.
وفيما يتعلق باللجوء إلى الصين لزيادة إنتاجية آبار النفط العراقية، كشف صالح أن الصين هي المستورد الأكبر للنفط العراقي، حيث تستورد نحو 2 مليون برميل يومياً، تليها الهند وبعض الدول الأخرى. وأوضح صالح أن الشركات الصينية تتمتع بالخبرة والقدرة العملية التي تمكنها من تقديم خدمات لوجستية عالية الجودة وعمليات إنتاجية متميزة، كما أن العمالة الصينية تواجدها الكبير في شركات النفط العالمية العاملة في العراق يجعلها الخيار الأمثل للعديد من الشركات. وأكد أن 40% من العمالة الأجنبية في العراق هم من الصين.
واختتم صالح حديثه بالحديث عن تأثير الحرب الجمركية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيراً إلى أن النفط والغاز مستثنيان من هذه الحرب، إلا أن آثارها تمتد إلى الاقتصاد العالمي بأسره؛ ما ينعكس على معظم الدول النفطية وغير النفطية.
ولفت إلى أن الحرب الجمركية تستهدف في الأساس الاقتصاد الصيني، الذي يعد القوة التجارية الكبرى في العالم. وأوضح أن ارتفاع أسعار السلع الصينية جراء هذه الحرب سيؤدي إلى تضخم عالمي يؤثر على كافة الاقتصادات، بما في ذلك اقتصادات الدول النفطية.