الهند من بين أعلى الدول تعرضاً للرسوم الجمركية
نيودلهي تواجه معضلة النفط الرخيص أو التعريفات
على الرغم من تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب للصحفيين يوم الجمعة، بأنه سمع أن الهند ستوقف مشترياتها من النفط، تزامنًا مع فرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على البلد الحليف، وفي الوقت نفسه إعلانه عن اتفاق تجاري مع باكستان، العدو اللدود للهند، فإن الموقف الهندي لا يزال غير محسوم.
من المرجح أن تظل نيودلهي غير ملتزمة بقرار وقف استيراد النفط، بينما تقيّم الخيارات المتاحة أمامها في ظل المقايضات التي قد تفرضها خطوة التخلي عن النفط الروسي، خاصة وأن هذا النفط الرخيص أسهم في تعزيز احتياطيات ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم.
ورغم تأكيد ترامب أنه «سمع» بأن الهند ستوقف عمليات الشراء، فإن المسؤولين في نيودلهي لم يصدر عنهم موقف واضح ونهائي.
فيما صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية، راندهير جايسوال، بأن الهند تحدد مصادر وارداتها من الطاقة بناءً على الأسعار المتوفرة في السوق العالمية والظروف الدولية في ذلك الوقت.
في السياق ذاته، اتهم مساعد الرئيس الأميركي، ستيفن ميلر، الهند بأنها تسهم في تمويل الحرب الروسية في أوكرانيا، قائلاً: «من غير المقبول أن تستمر الهند في شراء النفط الروسي».
كتب بوب ماكنالي، رئيس شركة الاستشارات «رابيدان إنرغي غروب»، في مذكرة: «لا بد أن الهنود يشعرون ببعض الارتباك في أعقاب تهديد ترامب وهو تراجع عن النهج الأكثر تسامحاً الذي تم اتخاذه في عهد إدارة بايدن».
قال رئيس شركة الاستشارات لدى «رابيدان إنرغي غروب»: «الآن بات الأميركيون يسألون.. ماذا تفعل الهند بأخذ كل هذا النفط الروسي؟».
في 30 يوليو، أعلن ترامب أن الهند ستواجه تعريفات جمركية بنسبة 25% اعتباراً من الأول من أغسطس، إلى جانب عقوبة غير محددة لشراء النفط والمعدات العسكرية الروسية.
ووفقاً لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) في مارس الذي قال: « لا تزال روسيا أكبر مورد للأسلحة والمعدات والأنظمة للقوات المسلحة الهندية».
يشير العديد من المحلليين لدى بنوك عالمية، إلى أن الهند، ثالث أكبر مستهلك للطاقة في العالم، لا تبدي أي تردد بشأن استمرار شراء النفط الروسي في الوقت الحالي.
في حين أفادت تقارير غربية أنه لا توجد تغييرات فورية في مُخطط عقود الهند طويلة الأجل مع الموردين الروس، وفقا لبيانات حكومية رسمية هندية صدرت مطلع الشهر الحالي.
أصبحت روسيا المورد الرئيسي للنفط إلى الهند منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، حيث ارتفعت وارداتها من النفط من أقل بقليل من 100 ألف برميل يوميا قبل الغزو، أي ما يعادل 2.5% من إجمالي الواردات، إلى أكثر من 1.8 مليون برميل يوميًا في عام 2023، أي ما يعادل 39%.
وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، بلغت نسبة صادرات النفط الخام الروسي إلى الهند 70% في عام 2024، في حين بلغت الواردات اليومية ذروتها عند 2.15 مليون برميل في مايو 2023، وتفاوتت منذ ذلك الحين.
في الوقت ذاته، دافع وزير الطاقة الهندي هارديب سينغ بوري عن مشتريات نيودلهي قائلاً في إحاطة صحفية: «إن مشتريات النفط الروسي ساعدت في استقرار الأسعار العالمية، بل وشجعتها الولايات المتحدة».
لفت وزير الطاقة الهندي هارديب سينغ بوري أنه لو توقف الناس أو الدول عن الشراء في تلك المرحلة، وامتنعوا عن مشتريات النفط الروسي لارتفع سعر النفط إلى 130 دولاراً للبرميل.
قال بوري: «في هذا التوقيت، نُصحنا، بما في ذلك من أصدقائنا في الولايات المتحدة، بشراء النفط الروسي، وعدم التوقف، ولكن ضمن حدود السعر المسموح به».
تم تحديد سقف لصادرات النفط الروسية عند 60 دولاراً للبرميل في ديسمبر 2022 من قبل مجموعة الدول السبع، التي تمثل أكبر الاقتصادات في العالم، في حين خفض الاتحاد الأوروبي سقف السعر إلى ما يزيد قليلا على 47 دولاراً للبرميل في يوليو الماضي.
كتب المدير الإداري لشركة «ميزوهو للأوراق المالية» فيشنو فاراثان في مذكرة، أن التهديدات الأميركية تُشكّل خطراً واضحاً وقائِماً على الهند.
أضاف فاراثان: «نيودلهي ستُبقي على الأرجح على موقفها المُتردد بشأن مشتريات النفط، مُقيّمةً مُساومات خيار روسيا كورقة تفاوض، مع الولايات المتحدة للحصول على قد أكبر من المزايا على الصادرات الهندية إلى واشنطن».
قال فاراثان، الذي يشغل أيضا منصب رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في آسيا باستثناء اليابان لدى «ميزهو»: «الهند ستحتاج إلى تمشيط السوق العالمية بحثا عن صفقات نفطية مماثلة مع النفط الروسي».
أضاف فاراثان إن نيودلهي قد تستكشف بدائل، بما في ذلك إيران إذا كان من الممكن التفاوض على إعفاء من الولايات المتحدة فضلاً عن عدد قليل من المنتجين الآخرين سواء داخل أو خارج «أوبك +».
اتفقت مجموعة «أوبك+» أمس الأحد على زيادة الإنتاج بمقدار 547 ألف برميل يومياً في سبتمبر، مع تزايد المخاوف بشأن اضطرابات محتملة في الإمدادات مرتبطة بروسيا.
كتب بوب ماكنالي، رئيس شركة الاستشارات «رابيدان إنرغي غروب»، في مذكرة: «حكومة ناردين مودي ستواجه خيارا صعبا للغاية الآن».
أضاف ماكنالي: «ترامب محبط من بوتين، ويريد كبح إيرادات موسكو النفطية، ستواجه الهند خياراً صعباً، لكن من الصعب تصور استمرارها في استيراد مليون ونصف برميل من النفط الخام الروسي إذا قرر دونالد ترامب تعريض العلاقة برمتها للخطر بسبب ذلك».
في إشارة إلى استخدام واشنطن سياسة العصى والجزرة مع الهند، قال نائب رئيس البيت الأبيض"سيُصدم الناس عندما يعلمون أن الهند مرتبطة بشكل أساس بالصين في شراء النفط الروسي إنها حقيقة مذهلة».
في الوقت ذاته، خفف المساعد الأول لترامب من انتقاداته مشيرا إلى علاقة ترامب مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والتي وصفها بأنها «هائلة».
في الأسبوع الماضي، أكد ترامب أيضاً على «الصداقة» مع الهند في اليوم الذي أعلن فيه عن فرض الرسوم الجمركية على ثاني أكبر اقتصاد في آسيا.