في ظل خسائر تتزايد منذ أكثر من عامين جراء عدم تشغيل خط إقليم كردستان الممتد من العراق لتركيا، كشفت أنقرة عن مقترح جديد لإنشاء خطوط أنابيب جديدة لنقل النفط والغاز الطبيعي من منطقة البصرة الغنية بالموارد إلى ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط.
ذلك المقترح الذي طرحه مسؤول تركي، ويجد نقاشات إعلامية بالعراق، يراه خبراء طاقة تحدثت إليهم «إرم بزنس»، بوابة جديدة لتلافي أزمة خط تصدير النفط من إقليم كردستان إلى ميناء جيهان التركي، سيعمل على تمكين بغداد من تصدير كميات أكبر من نفطها الخام إلى الأسواق، وتعزيز مساعي أنقرة للتحول إلى مركز إقليمي رئيس للطاقة.
غير أن تلك الخطط «التوسعية»، بحسب الخبراء، ستصطدم بعدة عقبات، منها قرب انتهاء مهام الحكومة العراقية الحالية، وفترة زمنية تصل لنحو 3 إلى 5 سنوات للتنفيذ، بخلاف الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل، والديون العالقة، والنزاعات القانونية بينهما.
ويعد العراق ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، إذ يملك سقف إنتاج يبلغ 4 ملايين برميل يومياً، وأدت أزمة توقف خط النفط إلى فقدان نحو نصف مليون برميل يومياً، منها 370 ألف برميل من إنتاج إقليم كردستان، و75 ألف برميل من إنتاج الحكومة العراقية، ويستهدف الوصول إلى سقف يتجاوز 6 ملايين برميل يومياً بين عامي 2028 و2029، بحسب ما ذكره في مارس الماضي وكيل وزارة النفط، باسم محمد خضير.
وأفادت بيانات عراقية رسمية، السبت 10 مايو الجاري، بأن قيمة الصادرات العراقية النفطية إلى تركيا في 2024 بلغت ملياراً و 649 مليوناً و947 ألف دولار، فيما بلغت كميات هذه الصادرات 4 ملايين و625 ألفاً و466 طناً، بينما تشير تلك البيانات لنمو سنوي لهذه الصادرات خلال أربع سنوات بلغ 82%، في وقت تمثل هذه الحصة 2% من صادرات العراق من النفط إلى دول العالم.
وخط الأنابيب الرابط بين إقليم كردستان وميناء جيهان التركي (المعروف باسم خط كركوك-جيهان) أبرز منافذ تصدير النفط العراقي، أُغلق منذ ما يزيد على عامين، إثر خلافات مالية، وفي مارس 2024 علّقت تركيا استقبال النفط العراقي عبر خط الأنابيب، بعد أن قضت هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس بتغريم أنقرة 1.5 مليار دولار تعويضاً لبغداد؛ بسبب نقل النفط بالتعاون مع شركات إقليم كردستان من دون موافقة الحكومة العراقية، في انتهاك لاتفاقات تعود إلى عام 1973.
غير أنه «يبدو أن ثمة انفراجة تلوح في الأفق؛ مع طُرح أنقرة بناء خطوط جديدة لنقل الغاز والنفط بعيداً عن هذا الخط وخلافاته»، بحسب معلومات حديثة نقلتها شبكة أنباء العراق المحلية، موضحة أن مسار الخط المقترح الذي يتسع لنقل 2.25 مليون برميل يومياً يبدأ من البصرة مروراً بمدينة حديثة بمحافظة الأنبار غرب البلاد، حتى مدينة سلوبي جنوبي تركيا.
وبحسب الشبكة ذاتها، فإنه «يبدو أن هناك صلة بين مسار مقترح الخط الجديد، ومسار خط الربط بين البصرة وحديثة الذي حظي بموافقة حكومية، في ديسمبر 2024»، وذلك بكلفة أولية تبلغ 4.6 مليار دولار، والذي يحمل فرصاً للربط مع الأردن وسوريا عبر ميناءي العقبة وطرطوس.
ويعود أصل هذا المقترح التركي إلى تصريحات حديثة نقلها «إس آند بي غلوبال» على لسان وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، موضحاً أن أنقرة وبغداد اتفقتا بصورة أولية على مقترح خطوط الأنابيب.
وقد تشهد الأشهر المقبلة توقيع اتفاقية طاقة مشتركة بين البلدين، وحتى ذلك الحين، تستمر الدراسات والمشاورات، وسط تعهدات تركية بدعم المشروع العراقي بنحو 17.9 مليار دولار، إذ يمثل «فرصة» لها لتعزيز التعاون الطاقي مع بغداد، ويمتد لمقترح آخر يساعد جزئياً في حل أزمة الكهرباء المتفاقمة في البلاد، عبر الاتفاق على مدّ خط نقل كهرباء إضافي بين البلدين، بحسب بيرقدار.
ووفق تقرير سابق لموقع «إس آند بي غلوبال»، فإن إغلاق خط كركوك-جيهان، من المُحتمل أن تكون تركيا قد خسرت جراء ذلك ما يصل إلى مليار دولار من رسوم العبور، ومن المُرجّح أن تُسهم خطوط الأنابيب الجديدة في تعزيز خزائن أنقرة، فيما قدرت مجموعة الصناعة النفطية في كردستان (أبيكور)، نهاية أغسطس 2024 خسائر البلاد 19 مليار دولار نتيجة هذا التوقف، مرجحين أن استئناف التصدير يمكن أن يعيد للعراق نحو 24 مليون دولار شهرياً.
قال الخبير الاستراتيجي في الطاقة، والزميل الزائر الأول لدى جامعة «جورج ميسن» الأميركية الدكتور أوميد شكري، لـ«إرم بزنس»، إن اقتراح تركيا لمد خطوط أنابيب جديدة من محافظة البصرة العراقية إلى ميناء جيهان يهدف إلى تجاوز الخلافات مع إقليم كردستان وتعزيز العراق صادرات النفط والغاز، وسعي أنقرة إلى أن تصبح ممراً رئيسياً لنقل الطاقة، إلا أن الخطة تواجه تحديات جسيمة.
وعن فرص النجاح، أضاف: «اتخذ العراق خطوات لاستئناف الصادرات، بما في ذلك إصلاحات في الميزانية واتفاقيات مع حكومة إقليم كردستان، ومن المتوقع أن تصل التدفقات عبر جيهان إلى أكثر من 300 ألف برميل يومياً، وكذلك حسّنت تركيا والعراق التنسيق الأمني».
ومع ذلك، «لا تزال الخلافات السياسية والمالية حول المدفوعات والعقود وتقاسم الإيرادات بين بغداد وأربيل، والديون العالقة، قائمة ولا تزال التوترات المتعلقة بحزب العمال الكردستاني والعمليات العسكرية التركية في شمال العراق تُشكّل إشكالية، وستعيق أي تقدم، وتشكل مخاطر جسيمة»، بحسب شكري.
ويخلص إلى أنه «على الرغم من التقدم الدبلوماسي والتقني، يعتمد نجاح خط الأنابيب على حل التحديات السياسية والمالية والأمنية المتجذّرة. فدون حلول شاملة، يبقى التنفيذ الكامل غير مؤكد».
المتحدث السابق باسم وزارة النفط العراقية والخبير في مجال الطاقة، عاصم جهاد، قال لـ«إرم بزنس»: «على الحكومة ووزارة النفط أن تعلنا عن استراتيجية واضحة لتحديد وحسم مشاريع تعدد المنافذ التصديرية مع كل من تركيا والأردن وسوريا، والتي سبق أن أعلنت عنها الوزارة من دون تحديد آليات التنفيذ والفترة الزمنية».
ورأى أن تلك المشاريع، ومنها المقترح التركي، «تواجه تحديات كبيرة وظروفاً صعبة تعاني منها الحكومة العراقية لعل أبرزها تحديد الأولية لهذه المشاريع وأسلوب تمويلها، والتوافق السياسي الداخلي، وفقدان البوصلة لحل توافقي لعقود نفط الإقليم، وآليات التصدير، وضبابية إيجاد الحلول الواقعية والعملية، إلى جانب مشكلة التزام العراق بمحددات أوبك+».
وأبدى اعتقاده بصعوبة المضي في تنفيذ الكثير من هذه المشاريع أو أن ترى النور قريباً في ظل قرب انتهاء مهام الحكومة الحالية، وستبقى هذه الملفات في الأدراج إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة، خاصة وأن تنفيذ هذه المشاريع يتطلب وجود أنبوب ينقل النفط من البصرة إلى حديثة بالأنبار.
وأوضح أن «هذا الأنبوب إذا ما تم تنفيذه، فقد يستغرق من 3-5 سنوات مع وجود مشاكل وعجز في الموازنة، والجدوى الاقتصادية»، مستبعداً أن يرى المقترح التركي أو غيره من المشروعات النور قريباً في ظل تلك العقبات.