
وبحسب تصريحات حكومية، فإن فاتورة دعم المواد البترولية المصرية خلال العام المالي 2022/2023، قفزت بنسبة 109%، لتصل إلى 125 مليار جنيه، مقابل 59.8 مليار جنيه خلال العام المالي 2021/2022.
وارتفعت هذه الفاتورة بصورة خاصة خلال النصف الأول من العام المالي 2023/2022، بنسبة 290%، لتصل إلى 66 مليار جنيه، مقابل 17 مليار جنيه في الفترة نفسها من العام المالي 2022/2021، متأثرة بالارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار الطاقة العالمية، على خلفية الحرب في أوكرانيا.
وجاء هذا الارتفاع معاكسا لخطط الحكومة المصرية التي خصصت دعمًا للمواد البترولية بقيمة 18.4 مليار جنيه فقط في 2022/2021، عقب تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي وخفض الدعم على المواد البترولية، بعدما وصل إلى 120 مليار جنيه في 2016/2017.
ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، خفضت مصر سعر عملتها ثلاث مرات بقيمة بلغت نحو 50%، ليرتفع سعر الدولار من مستويات 15.74 جنيها إلى 30.95 جنيها في مارس الماضي وحتى الآن، ذلك بالنسبة للأسعار الرسمية المعلنة من البنوك والبنك المركزي، بينما يتداول الدولار في السوق الموازية عند سعر يتراوح بين 49 إلى 50 جنيهاً.
ومؤخرا، قررت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية في مصر، والتي تتابع وتنفذ آليات تطبيق التسعير التلقائي للمنتجات البترولية بصفة ربع سنوية، قررت رفع أسعار المنتجات البترولية بنسب تراوحت ما بين 8.7 و14.3%، حيث ارتفع سعر بنزين 80 ليصل إلى 10 جنيهات للتر بدلاً من 8.75 جنيه، كما زاد بنزين 92 إلى 11.5 جنيها للتر، وبنزين 95 إلى 12.50 جنيها للتر، مع تثبيت سعر السولار عند 8.25 جنيهات للتر.
في هذا الصدد، يقول الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن ما حدث من اتساع لعجز الموازنة في العام المالي الماضي بسبب زيادة فاتورة دعم المواد البترولية، يصعب تكراره في العام المالي الحالي.
وأضاف القليوبي، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أن عجز موازنة دعم الطاقة يحدث عندما يرتفع سعر برميل النفط عالميا عن سعره الاسترشادي المحدد في الموازنة العامة، لافتا إلى أن وزارة المالية تضع سعرا استرشاديا بناء على تقييم أسعار برميل النفط وقت إعداد الموازنة، لكن مع حدوث تقلبات في السعر وارتفاعه عن السعر الاسترشادي، فإن الموازنة تحتاج تمويلات أكبر من المستهدفة لشراء الطاقة، سواء كانت نفطا أو غازا أو بوتاجازا، بالسعر الجديد.
وكانت وزارة المالية المصرية قد عدلت في مارس الماضي تقديراتها لمتوسط سعر برميل برنت ليصل إلى نحو 94 دولاراً للبرميل بموازنة العام المالي الماضي 2022/2023، مقارنةً بـ 80 دولاراً للبرميل وقت إعداد الموازنة، وذلك بسبب تذبذب الأسواق العالمية إثر اندلاع حرب أوكرانيا وما تبعها من تعطل في سلاسل الإمداد.
وكشف القليوبي أن الحكومة المصرية قامت بثلاثة تحركات ستحميها من اتساع عجز الموازنة في العام المالي الحالي 2023/2024، وتمنع تكرار ما حدث العام المالي الماضي، تتمثل في حصر جميع الصفقات مع السعودية والإمارات والكويت، كما أنه لأول مرة تدفع الحكومة أموالا لشركات تأمين عالمية للتحوط ضد ارتفاع سعر برميل النفط، وذلك لتجنب اتساع عجز الموازنة.
وأوضح أستاذ الطاقة أن الحكومة تحدد مع هذه الشركات السعر الذي سيكون عليه برميل النفط عالميا طوال العام، على أن تقوم هذه الشركات بتأمين الفارق في حالة زيادة أسعار النفط عالميا، إما بدفع فارق السعر أو ببراميل نفط.
وأضاف أن "مصر قامت كذلك بزيادة القدرة التخزينية لها إلى مليون برميل، وهذه القدرة تمكنها من تخزين كميات تكفي لأكثر من 90 يوما، وهو ما يعطي فرصة للشراء وقت انخفاض الأسعار العالمية بكميات كبيرة وتخزينها".
ولذلك يرى القليوبي أن مصر غير مضطرة لرفع أسعار البنزين مرة أخرى نظرا لتماشي السعر الحالي للنفط عند 82 دولارا مع السعر الاسترشادي بالموازنة العامة خلال العام المالي الحالي.
وقدرت وزارة المالية متوسط سعر برميل النفط بمشروع موازنة العام المالي 2023/2024 عند 80 دولاراً للبرميل، وفاتورة دعم المواد البترولية للفترة ذاتها بنحو 119.4 مليار جنيه.
من جانبه، يرى الدكتور رمضان أبو العلا، خبير البترول الدولي، أن مصر ستعاني من ارتفاع فاتورة دعم المواد البترولية، ما يضغط على عجز الموازنة العامة. وقال إن المسألة لها علاقة بقرار سياسي بعدم تحميل المواطن المصري تكاليف الطاقة كاملة، نظرا لما يعانيه من ارتفاع معدلات التضخم القياسية في الفترة الحالية.
وأضاف أبو العلا، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن كل دولار زيادة في سعر برميل النفط عن السعر الاسترشادي في الموازنة العامة يكلف الدولة 3 مليارات جنيه، مشيرا إلى أن سعر خام برنت تجاوز 94 دولارا بعد الحرب على غزة، قبل أن يتراجع مرة أخرى خلال الأيام الأخيرة، مشيرا إلى أن الـ 14 دولارا الفارق بين سعر برميل النفط في الأسواق، والسعر الاسترشادي في الموازنة العامة، تكلف الدولة حوالي 42 مليار جنيه على أقل تقدير.
ولفت خبير البترول الدولي إلى أن هذه الزيادة في فاتورة الدعم سببها انخفاض قيمة العملة في الأساس، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار العالمية، قائلا: "كنا وصلنا لأقل قدر من الدعم في السنوات الماضية بسبب تحقيق اكتفاء ذاتي من الغاز واستقرار أسعار النفط عالميا، لكن منذ الحرب على أوكرانيا، وتعطل سلاسل الإمداد، ثم تراجع إنتاج الغاز المحلي، ارتفعت فاتورة الدعم بنسبة كبيرة جدا، متوقعا استمرار تلك المشكلة خلال الفترة المقبلة".