في ظلّ استمرار التقلّبات الاقتصادية العالمية واحتدام المنافسة بين البنوك المركزية في معركة احتواء التضخم، يعود التساؤل الأقدم إلى الواجهة: أيّ من العملات الرئيسية – الدولار الأميركي، اليورو أم الجنيه الإسترليني – تُعدّ الأفضل لحفظ القيمة في المرحلة الراهنة؟ للإجابة، لا يكفي النظر إلى أسعار الصرف وحدها، بل لا بد من تحليل أعمق لمستوى الفائدة الحقيقية، والتضخم، وآفاق النمو في كل منطقة.
الولايات المتحدة، باعتبارها الاقتصاد الأكبر في العالم، لا تزال تحظى بجاذبية عالية رغم تراجع الدولار خلال العام الماضي بنسبة 4.7% بحسب مؤشر الدولار الأميركي.
الفيدرالي الأميركي ثبت سعر الفائدة بين 5.00% و5.25%، في وقت بلغ فيه التضخم 3.4%، ما يعني فائدة حقيقية بحدود 1.85%. ورغم بقاء التضخم أعلى من المستهدف، فإن السوق تتوقع أن يتراجع تدريجياً إلى نحو 2.3% -2.5% في السنوات الخمس المقبلة، مع نمو اقتصادي سنوي متوقع بمتوسط 1.8%. هذه الأرقام تضع الدولار في موقع متوازن: عوائد حقيقية إيجابية ونمو مستقر، وإن كانت الضغوط على العملة مستمرة بفعل تراجع جاذبية العائد مقارنة بالعامين الماضيين.
في المقابل، يُظهر اليورو عودة تدريجية إلى الاستقرار. فقد رفع البنك المركزي الأوروبي الفائدة إلى 4.00%، بينما تراجع التضخم إلى 2.4%، ما يعني فائدة حقيقية بحدود 1.6%. وفي حين تُظهر المنطقة مؤشرات على انحسار الضغوط السعرية، فإن نموها الاقتصادي لا يزال ضعيفاً، مع توقعات تشير إلى متوسط نمو لا يتجاوز 1.2% سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة. رغم ذلك، ارتفع اليورو بنسبة 2.8% أمام الدولار في الاثني عشر شهراً الماضية، مستفيداً من استقرار التوقعات النقدية وتحسّن الثقة النسبية بالمنطقة، ما قد يجعله ملاذاً أكثر استقراراً لكنه أقل جاذبية من حيث العائد الحقيقي مقارنة بالدولار.
أما الجنيه الإسترليني، فرغم تحديات الاقتصاد البريطاني، فقدّم أداءً قوياً في الفترة الماضية، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 1.6% مقابل الدولار. ومع فائدة أساسية تبلغ 5.25% وتضخم عند 3.0%، فإن الفائدة الحقيقية تصل إلى 2.25%، وهي الأعلى بين العملات الثلاث. هذا يعني أن الاحتفاظ بالإسترليني يوفّر أعلى عائد حقيقي حالياً. غير أن الاقتصاد البريطاني لا يزال يواجه صعوبات بنيوية، مع نمو سنوي متوقع لا يتعدى 1.4% وتضخّم يُنتظر أن يبقى أعلى من هدف 2% حتى عام 2027 على الأقل.
فمن منظور «حفظ القيمة» الصرف، يبدو الجنيه الإسترليني الخيار الأفضل حالياً من حيث الفائدة الحقيقية. أمّا الدولار، فيظل الأكثر استقراراً وقوة على المدى الطويل، خاصة في أوقات الاضطراب العالمي. في حين أن اليورو يُعدّ خياراً وسطاً يوفر بعض الأمان واستقرار الأسعار، وإن كان أقل جاذبية من حيث النمو والعائد الحقيقي. الخيار الأفضل في نهاية المطاف يتوقف على هدف المستثمر: هل يبحث عن عائد حقيقي أعلى؟ عن استقرار طويل الأمد؟ أم عن مزيج من الاثنين؟