رغم حالة الغموض التي تكتنف الاقتصاد الأميركي، وسلوك «الاحتياطي الفيدرالي» (البنك المركزي الأميركي) ومستقبل الدولار، يبقى سوق السندات الأميركية هادئاً بشكل لافت، ما يدحض المخاوف القديمة من مخاطر صفقة تداول الفروقات الهائلة.
فرغم تقلبات محدودة أعقبت الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب الشهر الماضي، لا سيما ارتفاع العوائد طويلة الأجل واضطراب في الفروقات بين سندات الخزانة ومبادلات الفائدة لـ30 عاماً، أظهر السوق البالغ حجمه 29 تريليون دولار صلابةً واضحة.
وتُظهر البيانات أن الرهانات على العقود الآجلة لسندات الخزانة الأميركية قد ارتفعت بهدوء خلال الأسابيع الماضية لتقترب من مستوياتها القياسية، خصوصاً في فئات السندات لأجل سنتين وخمس وعشر سنوات. وفي فئة الخمس سنوات، بلغت المراكز الشرائية أعلى مستوياتها تاريخياً.
وتتركز أنشطة صناديق التحوط في هذه السوق، إذ تقوم بعمليات التداول مستفيدة من فروق طفيفة بين أسعار السندات الفورية والعقود الآجلة، باستخدام مستويات عالية جداً من الرافعة المالية قد تصل إلى 100 ضعف القيمة الأصلية.
وعلى الرغم من تحذيرات الجهات التنظيمية العالمية من أن تسييل هذه المراكز بشكل مفاجئ قد يهدد الاستقرار المالي، لم تظهر حتى الآن أي مؤشرات على انهيار أو أزمة، رغم تقلبات الأسواق الشهر الماضي.
بل على العكس، تواصل صناديق التحوط ومديرو الأصول تعزيز رهاناتهم في هذا المجال، إذ تجاوز إجمالي العقود الآجلة في آجال السنتين والخمس والعشر سنوات حاجز التريليون دولار. ويبدو أن المضاربين مرتاحون لمواصلة استغلال الفروق السعرية، فيما يستفيد مديرو الأصول من عوائد تتراوح بين 3.8% و4.2%.
ويقول ستيفن زينغ من «دويتشه بنك» إن سرعة تجدد هذه المراكز تعكس ثقة المستثمرين في فهمهم العميق لأسواق الريبو وسندات الخزانة.
رغم أن عمق السوق قد يكون أقل من المعتاد، فإنه لم يقترب من المستويات الحرجة التي شهدها عام 2018، أو في سبتمبر 2019، عندما اضطر «الفيدرالي» إلى ضخ السيولة.
وتراجع مؤشر «MOVE» لقياس تقلبات سوق السندات الأميركية إلى ما دون متوسطه في السنوات الثلاث الماضية، بعد ارتفاع وجيز في أبريل. كما بقيت أسعار التمويل بالريبو اليومية ضمن النطاق المستهدف من قبل «الفيدرالي» بين 4.25% و4.5%.
وبحسب بيانات «الاحتياطي الفيدرالي» في نيويورك، بلغ حجم عمليات التمويل بالريبو عند معدل «SOFR» مستوى قياسياً وصل إلى 2.8 تريليون دولار نهاية أبريل، ما يعكس وفرة السيولة وثقة المستثمرين بهذه القناة التمويلية.
مع ذلك، تُسجَّل بعض مؤشرات الحذر، مثل ارتفاع «علاوة الأجل»، أي العائد الإضافي الذي يطلبه المستثمرون مقابل حيازة السندات طويلة الأجل، إلى أعلى مستوى لها منذ عقد، ما يعكس تصاعد القلق من المخاطر طويلة الأمد.
ولا يُستبعد أن تؤدي قفزة مفاجئة في كلفة الاقتراض، ربما بسبب تطورات سياسية جديدة أو تصعيد في الحرب التجارية، إلى تهديد هذه الاستراتيجية.
لكن في حال وقوع ذلك، من المرجح أن تتدخل وزارة الخزانة أو «الاحتياطي الفيدرالي» لحماية استقرار السوق. خلاصة القول: رغم التحذيرات، لم تسبب صفقة «البيسيس تريد» البالغة تريليون دولار أي صدمة تُذكر حتى الآن. وربما يكون السوق الأعمق والأكثر سيولة في العالم أقوى مما يظنه المتشائمون.