لطالما جذبت الأسواق الناشئة المستثمرين بإمكانية النمو السريع وفوائد التنويع، ولكن في المقابل، كانت تلك الأسواق محفوفة بالمخاطر والتقلبات الهيكلية التي كبدت الكثيرين خسائر كبيرة. مع ذلك، يبدو أن التحولات الأخيرة في الأسس الاقتصادية والمالية العالمية تستدعي إعادة النظر في جدوى الاستثمار في هذه الأسواق.
وفقًا لمحللي «سيفنز ريبورت»، قد تكون الأسواق الناشئة بالفعل عند مستوى مناسب لدخول المستثمرين مجدداً. وتشير عدة عوامل إلى أن هذه الأسواق ليست فقط رخيصة، بل أيضاً مرشحة لانتعاش محتمل.
يُعد التقييم الحالي أحد العوامل الرئيسة التي تجعل الأسواق الناشئة جذابة. يبلغ معدل السعر إلى الأرباح المستقبلية في مؤشر «إم إس سي آي» للأسواق الناشئة حوالي 11.9، وهو أقل بكثير من مؤشر «إم إس سي آي» للأسهم الأميركية الكبرى الذي يبلغ 22.1. هذا الخصم الكبير يجعل الأسواق الناشئة جذابة من منظور القيمة.
تحسن التقييمات يأتي في وقت يتسم فيه الشعور العام تجاه الأسواق الناشئة بالسلبية، وهو ما يعده بعض المستثمرين إشارة عكسية. يلاحظ محللو «سيفنز ريبورت» أن الأسواق الناشئة «مكروهة» على نطاق واسع، ويتجلى ذلك في تدفقات الأموال الضعيفة إلى تلك الأسواق. على سبيل المثال، بلغت تدفقات الأسهم الأميركية حتى أغسطس 329.3 مليار دولار، بينما جذبت الأسواق المتقدمة 38.6 مليار دولار، في حين لم تحصل الأسواق الناشئة إلا على 4.3 مليار دولار فقط. هذا النقص الكبير في الحماس، إلى جانب انخفاض التقييمات، قد يكون إشارة إلى تحوّل محتمل.
من الإشارات الإيجابية الأخرى أن الأسواق الناشئة تفوقت على مؤشر «إس آند بي 500» ومؤشر «إم إس سي آي» خلال الربعين الماضيين. هذا الأداء المستقر وسط حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية قد يشير إلى أن القطاع في المراحل الأولى من صعود مستدام.
تأتي هذه التفاؤلات مدفوعة بعدة محفزات اقتصادية كبرى، إذ تظل الصين والهند في طليعة هذه التطورات، وهما تشكلان نحو 50% من مؤشرات الأسواق الناشئة الرئيسة. في الصين، يعمل صنّاع السياسات على إطلاق مجموعة من التدابير التحفيزية لإنعاش النمو الاقتصادي، بما في ذلك خفض أسعار الفائدة وتقليل متطلبات احتياطي البنوك، مع توقعات بمزيد من التحفيز المالي. وفي الهند، تسهم التركيبة السكانية في توفير مسار طويل الأمد للنمو، إذ إن زيادة عدد السكان، خاصة فئة الشباب، إلى جانب الاستقرار السياسي تحت قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، توفر أساساً قوياً للنمو الهيكلي على المدى الطويل.
إلى جانب التحفيزات المحلية، تستفيد الأسواق الناشئة من التحولات العالمية. خفض أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى يؤدي إلى تراجع قيمة الدولار الأميركي، وهو ما كان دائماً في صالح الأسواق الناشئة تاريخياً. بالإضافة إلى ذلك، فإن التحوّل نحو إعادة تنظيم سلاسل التوريد، إذ تسعى الشركات إلى تقليص الاعتماد على الدول البعيدة واستهداف دول صديقة جغرافياً وسياسياً، قد يعزز فرص الأسواق الناشئة. ختاماً، قد تكون الأسواق الناشئة الآن عند نقطة تحوّل، إذ توفر الفرصة للمستثمرين للاستفادة من التقييمات المنخفضة والأداء المستقر والمحفزات الاقتصادية الكبيرة، وهو ما يجعلها خياراً جذاباً للمستثمرين الباحثين عن فرص جديدة.