يسابق العراق الزمن لتنفيذ مشاريع عقارية بمليارات الدولارات، ضمن خطط غير مسبوقة تهدف إلى سدّ الفجوة السكنية المتفاقمة، في ظل طلب متزايد ونقص مزمن يناهز 3 ملايين وحدة سكنية، فيما تأمل الحكومة تقليص هذا العجز خلال العامين المقبلين.
ووفق حديث خبراء بقطاع المال والأعمال بينهم مسؤول عراقي لـ«إرم بزنس»، فإن «العراق يشهد تحولاً غير مسبوق في القطاع العقاري، عبر إطلاق مشاريع إسكانية كبرى بما يمكن اعتباره تدشيناً لثورة عقارية حقيقية تحقق مستهدفات خطة التنمية الوطنية 2024-2028 وما بعدها»، لافتين إلى أن هذا الحراك العقاري غير المسبوق يدعم أركان الاقتصاد، ويسد أزمة الإسكان ويوفر وظائف، ويحدّ من البطالة.
وبخلاف إطلاق خطة الحكومة لتشييد مدن سكنية جديدة، تستوعب السوق العقارية في العراق أيضاً مشاريع للقطاع الخاص الذي يهمين على 58% من حجم الاستثمارات العقارية المقدرة بنحو 27 مليار دولار، بحسب تقديرات غير رسمية، وسط تسهيلات وتمويلات مصرفية من البنوك وقروض سكنية ميسرة تقدمها وزارة الإعمار والإسكان، وبلغت 900 مليار دينار (6.84 مليون دولار) بواقع 16 ألف معاملة إقراضية، في عام 2024، بحسب إحصائية رسمية نهاية 2024.
مفصلاً ذلك النشاط العقاري غير المسبوق في بلد تجاوز عدد سكانه أكثر من 45 مليون نسمة، قال مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية، الدكتور مظهر علي صالح لـ«إرم بزنس»: «بالتأكيد يشهد العراق في ظل البرنامج الحكومي تحولاً غير مسبوق في القطاع العقاري أو قطاع الإعمار والتشييد، يتجلى في إطلاق مشاريع إسكانية كبرى تقودها الدولة، مثل مشروع مدينة الورد في بغداد، الذي أعلن عنه وزير الإعمار والإسكان بنكين ريكاني في 5 مايو 2025، بتكلفة تبلغ 7 مليارات دولار وبسعة 200 ألف وحدة سكنية».
المسؤول العراقي، أكد أن هذا المشروع «يمثل أحد أكبر التجمعات السكنية التي يُخَطَّط لها منذ أكثر من أربعة عقود دون تنفيذ ليجد طريقه إلى عالم العقار في العراق الناهض، حيث عانت البلاد من نقص حاد في الوحدات السكنية نتيجة النمو السكاني والحروب والنزوح الداخلي».
ويحتاج العراق إلى أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية بحلول عام 2030 لتلبية الطلب المتزايد، وفق «صالح»، لافتاً إلى أن «المشاريع السابقة كانت غالباً ما تعاني التمويل المحدود، والبيروقراطية، والتأخير في التنفيذ».
ونبّه إلى أن «العراق لم يشهد منذ أكثر من 50 عاماً مشاريع عقارية بهذا الحجم في وقت واحد، ويتجاوز هذا المشروع مجرد الإسكان ليؤسس لتجمعات عمرانية حضرية جديدة، لافتاً إلى أن «إطلاق المشروع على يد وزير الإسكان نفسه يعطيه ثقلاً سياسياً ورسالة واضحة بالجدية والمتابعة الرسمية. فضلاً عن تحول استراتيجيته للإسكان من السكن الفردي الصرف إلى السكن المؤسسي».
ولمواجهة التحديات التي تعرقل النشاط العقاري، قال مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية: «كانت الحلول العقارية تتم سابقاً عبر مبادرات صغيرة أو فردية أو تمويل ذاتي والآن نتحدث عن مشاريع مدعومة من الدولة وممولة بمليارات».
ويرافق ذلك الدور الحكومي «إسهام الاستثمار العراقي والأجنبي وعموم القطاع الخاص في هذا المشاريع بهذا الحجم التي ستولد سوقاً ضخمة لفرص الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، وربما لاحقاً ستسهل دخول رؤوس الأموال الأجنبية»، بحسب «صالح».
وخلص المسؤول العراقي إلى أن «العراق دشن ثورة عقارية حقيقية، وتحولاً حضرياً مستداماً، وليس فقط مشاريع سكنية ضخمة على الورق، بل إلى بناء حواضر جديدة في تخطيط وتصميم وتطوير مواقع حضرية جديدة تتلاءم والتنمية المستدامة وعراق مقبل مزدهر بلا شك يتناسب ومستهدفات خطة التنمية الوطنية 2024-2028 وما بعدها».
ويتفق معه عضو الهيئة العامة لمجلس القطاع الخاص، واتحاد رجال الأعمال العراقيين، عبد الحسن الزيادي، في حديث لـ«إرم بزنس»، قائلاً: «إن مدينة الورد إحدى خمس مدن جديدة بهذا المستوى الضخم، وجميعها تشكل نهضة عقارية كبيرة جداً».
ويرى أن تلك النهضة العقارية «ستنعكس بتأثيرات إيجابية كبيرة على الاقتصاد العراقي، وتدعم أركانه وتزيد فرص العمل، وتحد من البطالة، وستغير وجه العاصمة بغداد والمحافظات».
ويعتقد الزيادي أنه باستطاعة العراق أن يسد العجز البالغ أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية، مما يجعل البلاد نموذجاً لثورة عقارية ستجلب استثمارات ضخمة أيضاً تسهم في تنمية اقتصادية، وتجعل قطاع العقارات يقود تلك التنمية المفصلية لا سيما في السنوات الخمس المقبلة التي ستشهد ذلك العمران غير المسبوق والتي بدأها مشروع الورد».
وقال ريكاني، خلال حفل إطلاق الأعمال في مشروع الورد في 5 مايو، إن «العراق لم يشهد، منذ أكثر من 45 عاماً، تنفيذ مشاريع كبيرة بسبب الحروب والأحداث التي مرت بها البلاد»، لافتاً إلى أن هذا «المشروع أول تجربة من نوعها في العراق منذ عقود، ويعدّ أكبر مشروع تنموي في البلاد، وسينقل البلاد من إنشاء أحياء ومجمعات سكنية إلى بناء مدن جديدة تُخطط وفق معايير حضارية».
وكشف نائب رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار في العراق، سالار محمد أمين، في تصريحات صحفية أواخر أبريل الماضي، أن شركة أورا التي يملكها الملياردير المصري نجيب ساويرس التي تبني مشروع الورد، ستضخ استثمارات تناهز نحو 7 مليارات دولار.
وسبق أن كشف المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان نبيل الصفار، لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، في فبراير الماضي أنه «تم بالفعل إحالة خمس مدن إلى المطورين، ومن بينها مدينة علي الوردي، (الورد) التي تعدّ من أكبر المدن السكنية».
وأضاف، أن «العمل مستمر في مدن أخرى، مثل مدينة الغزلاني في نينوى وضفاف كربلاء في مدينة كربلاء المقدسة، ومدينة الجنائن في بابل، فضلًا عن ست مدن أخرى أعلنت كفرص استثمارية، سيتم إحالتها قريبًا، كما سيتم العمل على تهيئة مدن جديدة بالتنسيق مع المحافظات، في إطار الحلول المطروحة لأزمة السكن».
وكشف رئيس لجنة الاستثمار والتنمية في مجلس النواب العراقي حسنين خفاجي، أنه «سيدخل مليون ونصف المليون وحدة سكنية في العراق حيز التنفيذ خلال عامي 2025 و2026، مشيراً في حديث لوكالة الأنباء العراقية يناير الماضي، إلى أن عام 2025 سيشهد انطلاقة واسعة في قطاع السكن.
وسبق أن أعلنت وزارة الإعمار والإسكان العراقية، في بيان أواخر يناير الماضي، أن فريق المدن السكنية الجديدة يدرس فرصة استثمارية لمدينة سكنية في ديالى، ويتابع مواقف الأعمال الحالية لمدن من بينها مدينة الجواهري السكنية الجديدة في منطقة أبو غريب ببغداد، والنخيل في محافظة البصرة.
والحراك العقاري ممتد منذ أواخر 2024، وكشف مستشار رئيس الوزراء لشؤون الصناعة وتطوير القطاع الخاص حمودي اللامي، لوكالة الأنباء العراقية، في سبتمبر من العام ذاته، أن برنامج حكومة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني يتضمن بناء 52 مدينة سكنية متكاملة مع تقديم تسهيلات للمستثمرين لبناء أكثر من مليون وحدة.
وتشمل تلك الخطة إقامة 3 مدن في محافظة البصرة بمعدل يصل إلى 170 ألف وحدة سكنية، و6 مدن في محافظة بغداد بمعدل يصل إلى 150 ألف وحدة سكنية، على أن تشمل محافظات النجف 144 ألف وحدة وصلاح الدين و113 ألف وحدة وبابل 110 آلاف وحدة، واسط 105 آلاف وحدة والأنبار 88 ألف وحدة، وديالى 60 ألف وحدة و59 ألف وحدة وكركوك 46 ألف وحدة، وذي قار 44 ألف وحدة والمثنى 36 ألف وحدة ونينوى 33 ألف وحدة وكربلاء المقدسة 30 ألف وحدة وميسان 8 آلاف وحدة سكنية.
وفي أواخر نوفمبر 2024، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أن عدد سكان البلاد وفقاً لتعداد حديث بلغ 45 مليوناً و407 آلاف و895 نسمة، فيما بلغ عدد المساكن 8 ملايين و37 ألفاً و221 مسكناً، فيما كشفت وزارة الإعمار والإسكان العراقية أن العراق بحاجة إلى أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية.