تواجه الطفرة الاستثمارية في مجال الذكاء الاصطناعي، التي تقودها الشركات الأميركية، مخاطر متزايدة بفعل تصاعد التوترات التجارية العالمية والرسوم الجمركية، ما يهدد بإبطاء نمو قطاعات حيوية تمتد من الطاقة إلى البرمجيات.
فقد تجاوزت حمى الاستثمار في الذكاء الاصطناعي المخاوف بشأن ضعف العوائد وضعف الثقة الناتج عن نماذج الذكاء الاصطناعي منخفضة التكلفة التي طورتها شركة «ديب سيك» الصينية، إلا أن الحرب التجارية العالمية التي فجّرتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهدد بكبح جماح هذا الزخم.
ومن المتوقع أن تكشف النتائج المالية المرتقبة لكبرى شركات التكنولوجيا، مثل «ألفابت» و«مايكروسوفت»، إلى جانب شركات الطاقة التي تزود مراكز البيانات العملاقة بالكهرباء مثل «فيسترا» و«كونستيليشن إنيرجي»، ما إذا كانت الإجراءات الجمركية المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة ستدفع هذه الشركات إلى إعادة النظر في خططها الطموحة لبناء البنية التحتية.
ويعاني العملاء، من تجار التجزئة وشركات الإعلام إلى شركات الطيران وصناعة السيارات، حالة من عدم اليقين أدت إلى تقليص الإنفاق، وهو ما قد يؤثر سلباً على الاستثمارات في أدوات الذكاء الاصطناعي. ويشير محللون إلى مؤشرات أولية على تراجع شركات التكنولوجيا الكبرى في استئجار مراكز البيانات.
وفي خطوة استباقية، أكدت شركتا «غوغل» (ألفابت) و«مايكروسوفت» تمسكهما بخطط استثمارية للعام الجاري تصل قيمتها إلى 155 مليار دولار، أي ما يقارب نصف إجمالي استثمارات شركات التكنولوجيا الكبرى المتوقعة في مجال الذكاء الاصطناعي، والمقدّرة بنحو 320 مليار دولار هذا العام.
لكن الضغط يتزايد على هذه الشركات، في وقت تعرقل فيه الرسوم الجمركية سلاسل الإمداد، ولا سيما في الصين التي تُعدّ مركزاً محورياً لإنتاج المعدات الموجهة لتقنيات الذكاء الاصطناعي. وتجدر الإشارة إلى أن الصين لم تُمنح مهلة التسعين يوماً التي أعلنت عنها واشنطن مطلع الشهر الجاري.
يؤكد المحللون أن فرض رسوم جمركية أميركية بنسبة 145% على المنتجات الصينية قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في تكاليف بناء وتشغيل مراكز البيانات، خاصة إذا أُلغيت الإعفاءات على المنتجات الإلكترونية.
وقال بات لينش، المدير التنفيذي لحلول مراكز البيانات في شركة «سي بي آر إي» المتخصصة في الخدمات العقارية التجارية لوكالة «رويترز»: «جزء كبير من البنية التحتية الكهربائية ومعدات مراكز البيانات يُصنّع خارج الولايات المتحدة، وفي كثير من الحالات هذه المعدات شحيحة والطلب عليها مرتفع عالمياً». وأضاف: «الرسوم الجمركية قد تجعل الوضع أكثر تعقيداً، خصوصاً إذا بدأ المورّدون بتحويل هذه المعدات إلى أسواق أخرى».
وقد يُفضي التراجع في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي إلى انعكاسات كبيرة على الاقتصاد الأميركي. ففي يناير، قدّر محللو «جي بي مورغان» أن الاستثمارات في مراكز البيانات قد تسهم بما يتراوح بين 10 و20 نقطة أساس في نمو الاقتصاد الأميركي بين عامي 2025 و2026.
يظهر بعض القلق بالفعل في أداء أسهم «السبعة الرائعين»، مجموعة من الأسهم ذات الأداء القوي التي قادت السوق في السنوات الأخيرة، والتي خسرت نحو خمسة تريليونات دولار من قيمتها السوقية منذ ذروتها في نهاية عام 2019.
وقد تراجعت أسهم شركة «نفيديا»، الرائدة في إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي، بنسبة 26% هذا العام بعد صعود مذهل أوصلها لفترة وجيزة إلى قمة الشركات العالمية من حيث القيمة السوقية. كما فقد سهم «ألفابت» نحو 20% من قيمته.
تُظهر المؤشرات أن بعض الشركات تبطئ من وتيرة بناء مراكز البيانات الجديدة. فقد ذكر محللو «تي دي كوين» الشهر الماضي أن «مايكروسوفت» ألغت مشاريع كانت ستستخدم فيها طاقة كهربائية تصل إلى 2 غيغاواط في الولايات المتحدة وأوروبا خلال الأشهر الستة الماضية، بسبب وجود فائض في العرض.
وأكد مسؤول رفيع في «مايكروسوفت» مطلع الشهر الجاري أن الشركة قد تعيد النظر في وتيرة تنفيذ مشاريعها، لكنها ستواصل التوسع في أي مكان تبرز فيه الحاجة السوقية لذلك. وقال في منشور على «لينكد إن»: «التخطيط لمثل هذه المشاريع عملية تمتد على عدة سنوات، وتتطلب موارد كبيرة. وأي مبادرة جديدة بهذا الحجم تتطلب قدراً من المرونة والتكيّف مع تطورات السوق، وهو ما يعني أننا قد نبطئ أو نعلق بعض المشاريع في مراحلها الأولى».
وفي السياق ذاته، أفاد محللو «ويلز فارجو»، يوم الاثنين، بأن شركة «أمازون» أجّلت بعض التزاماتها بشأن استئجار مراكز بيانات جديدة، موضحين أن القرار يُعد جزءاً من إدارة القدرات المعتادة، ولا يعكس تغييرات في خطط التوسع.
وقال المحللون في مذكرة: «يبدو أن شركات الحوسبة السحابية الكبرى أصبحت أكثر انتقائية في استئجار مجموعات الطاقة الكبرى».
ومن المتوقع أن تسجل «مايكروسوفت» أدنى نمو في إيراداتها منذ سبعة فصول، وفقاً لبيانات مجموعة «إل إس إي جي». كما يُرجح أن تبلغ وتيرة نمو خدمة «أزور»، القطاع الأكثر استفادة من الذكاء الاصطناعي في «مايكروسوفت»، أدنى مستوى لها منذ أكثر من عام، بحسب بيانات «فيزيبل ألفا».
ويُتوقع أيضاً أن تسجل كل من «ألفابت»، و«أمازون»، و«آبل» نمواً أكثر بطئاً، رغم أن ضعف الدولار الأميركي قد يساهم في تخفيف بعض الضغط.
ورغم هذه التحديات، يواصل بعض المستثمرين والمحللين التمسك بالرهان على وعود الذكاء الاصطناعي طويلة الأمد، حتى وإن تباطأت العوائد على المدى القصير، وهو موقف غالباً ما يدافع عنه كبار قادة قطاع التكنولوجيا.
ففي وقت سابق من هذا الشهر، دافع الرئيس التنفيذي لـ«أمازون»، آندي جاسي، عن استثمارات شركته في الذكاء الاصطناعي، قائلاً إنها ضرورية للحفاظ على القدرة التنافسية في سباق السيطرة التقنية.
وقال إريك شيفر، الرئيس التنفيذي لشركة «باتريارك أورغانيزيشن» للاستثمار، التي زادت حصتها في «السبعة الرائعين» خلال الأشهر الماضية: «السوق قلل من شأن حجم الإنفاق المطلوب على الذكاء الاصطناعي في المدى القصير، وهذا خطأ». وأضاف: «لا يمكن للعمالقة التكنولوجيين تحمّل خسارة سباق الذكاء الاصطناعي. وأعتقد أننا سنبدأ في رؤية عوائد ملموسة من شركات الحوسبة السحابية الكبرى خلال عام إلى 18 شهراً».