بعد النجاح الذي حققته الحكومة المصرية في مشروع رأس الحكمة وانعكاساته على الأوضاع الاقتصادية، تسعى القاهرة لتكرار هذا النموذج التنموي مع منطقة رأس بناس، الواقعة على الساحل الجنوبي للبحر الأحمر، إذ تستعد لطرحها للاستثمار خلال الأشهر القادمة، في خطوة يصفها خبراء بأنها تدفع عجلة التنمية السياحية والاقتصادية في مناطق تتمتع بمقومات طبيعية مميزة، وتضع البلاد على خريطة الاستثمار العالمي.
ووفق خبراء فإن مصر تستهدف التوسع في هذه المخططات من أجل تعزيز التنمية والتغلب على الأزمة الاقتصادية التي عانت منها البلاد بسبب نقص الموارد الدولارية خلال الفترة التي سبقت تحرير سعر الصرف في السادس من شهر مارس الماضي، وأسفرت عن ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية.
وقبل أيام، أعلن وزير الإسكان المصري، شريف الشربيني، أن الدولة بدأت بوضع مخطط استثماري لمنطقة «رأس بناس» على البحر الأحمر، وذلك بهدف طرحها على المستثمرين السياحيين، سواء محليين أم أجانب، وفق وسائل إعلام محلية.
وخلال مؤتمر صحفي، قال الشربيني إن منطقة رأس بناس تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي بفضل قربها من المدن الحيوية وامتلاكها لواجهة بحرية مميزة على ساحل البحر الأحمر.
وتستهدف وزارة الإسكان المصَرية أن تصبح رأس بناس من أكبر المناطق السياحية في محافظة البحر الأحمر، خصوصًا أنها توصف بالمنطقة البكر التي سيتم تخطيطها على مستوى عالمي.
وتعمل الحكومة المصرية حاليًا على وضع المخطط الاستثماري الخاص بالمنطقة التي تضم أكبر تجمع للشعاب المرجانية في العالم، بلسان يمتد طوله نحو 50 كم داخل مياه البحر الأحمر، وتقع جنوب مدينة مرسى علم وتبعد عن محافظة الأقصر نحو 350 كم.
ويأتي اعتزام طرح رأس بناس للاستثمار بعد 7 أشهر من توقيع الحكومة المصرية صفقة مع شركة «إيه دي كيو» القابضة الإماراتية، لتطوير منطقة رأس الحكمة المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تتضمن استثمارا أجنبيا مباشرا بقيمة 35 مليار دولار خلال شهرين.
وفي شهر فبراير الماضي، وقعت الحكومة المصرية، اتفاقية مع الشركة الإماراتية لتطوير مشروع مدينة رأس الحكمة شمالي القاهرة، على مساحة 170.8 مليون متر مربع، وباستثمارات تصل إلى 150 مليار دولار طوال فترة تطويره.
وبحسب تصريحات لرئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري النائب محمد الفيومي، فإن مساحة منطقة رأس بناس 200 مليون متر مربع وهي تتجاوز منطقة رأس الحكمة التي تقدر مساحتها بـ 170 مليون متر مربع، موضحًا أن صفقة «رأس بناس» تبلغ نحو 2 تريليون جنيه مصري (41 مليار دولار)، بينما صفقة «رأس الحكمة» بلغت نحو 1.750 تريليون جنيه مصري (36 مليار دولار).
وتعتبر منطقة رأس بناس شبه جزيرة تقع في محافظة البحر الأحمر تحدها من الشمال مدينة مرسى علم ومن الجنوب حلايب وشلاتين، وهي منطقة ساحلية تتمتع بإمكانيات طبيعية هائلة تجعلها وجهة مثالية للاستثمار في القطاع السياحي والعقاري، وفق الخبير السياحي عاطف عبد اللطيف، إذ قال في تصريحات لـ «إرم بزنس» إن المنطقة تعتبر من المناطق غير المستغلة بشكل كافٍ رغم امتلاكها لميزات طبيعية رائعة، وتسهم في دعم مستهدفات الدولة لزيادة عدد السياح إلى 30 مليون سائح من 15 مليونا حاليًا.
ووفق عبد اللطيف تتميز منطقة رأس بناس بموقعها الجغرافي المميز، حيث تقع على الساحل الجنوبي للبحر الأحمر بالقرب حلايب وشلاتين، ما يجعلها نقطة جذب للسياح من مختلف أنحاء العالم. كما يساهم قربها من مطار مرسى علم الدولي في سهولة الوصول إليها.
كما تضم المنطقة مجموعة من الشعاب المرجانية النادرة والمحميات الطبيعية، مما يجعلها موقعاً ممتازاً لعشاق الغوص والسياحة البيئية، إضافة إلى طقس معتدل طوال العام، ما يجعل المنطقة وجهة مفضلة للسياح في مختلف الفصول، وخاصة في الشتاء، كما تضم المنطقة آثارًا تاريخية ومواقع أثرية تجعلها وجهة سياحية متكاملة تجمع بين الطبيعة والتاريخ.
ويتوقع الخبير السياحي أن يتضمن المخطط العام لمنطقة رأس بناس مشروعات تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك إنشاء فنادق ومنتجعات سياحية، وتطوير بنية تحتية حديثة تشمل طرقا ومرافق خدمية. كما سيتم العمل على حماية البيئة الطبيعية الفريدة في المنطقة لضمان استدامة المشروع وجاذبيته على المدى الطويل.
وفي حديث لـ«إرم بزنس» يشير الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة، إلى أن الحكومة المصرية تسعى من خلال طرح رأس بناس للاستثمار إلى تحقيق عدة أهداف اقتصادية واستراتيجية، منها تعزيز السياحة، حيث من المتوقع أن تساهم مشروعات الاستثمار في المنطقة في زيادة عدد السياح القادمين إلى مصر، خاصة في ظل الطلب المتزايد على السياحة البيئية والبحرية.
كما يساهم تطوير المنطقة في خلق فرص عمل جديدة سواء في قطاع السياحة أو قطاعات البناء والخدمات، مما يساهم في تقليل معدلات البطالة، بالإضافة إلى أن الاستثمار في مناطق سياحية جديدة مثل رأس بناس يعتبر جزءاً من استراتيجية الحكومة لتنويع مصادر الدخل القومي، وتقليل الاعتماد على المناطق السياحية التقليدية مثل القاهرة والأقصر وشرم الشيخ، وفق بدرة.
ويعتبر الخبير الاقتصادي أن طرح رأس بناس للاستثمار يمثل خطوة هامة نحو تحقيق التنمية المتوازنة، إذ يعد البحر الأحمر من أهم المناطق السياحية في العالم، وتطوير المنطقة يمكن أن يجذب استثمارات هائلة في قطاع السياحة، مما يعزز العوائد الاقتصادية، ويساهم في تعزيز النمو الاقتصادي المحلي.
وفيما يخص المخاطر المحتملة، يشير بدرة إلى ضرورة التأكد من أن عملية الاستثمار تتم وفقًا لمعايير بيئية صارمة، كما يجب أن تكون هناك خطة واضحة للحفاظ على النظام البيئي في المنطقة، خاصة أن رأس بناس تضم شعابا مرجانية ومحميات طبيعية نادرة.
يرى مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية الدكتور عبدالمنعم السيد أن هذا المشروع يمثل فرصة لجذب رؤوس أموال أجنبية إلى مصر ويدعم الاحتياطي النقدي من الدولار، ولكنه شدد في تصريحات لـ «إرم بزنس» على ضرورة وجود دراسات جدوى تفصيلية تضمن استمرارية العائدات على المدى الطويل.
وقال السيد إنه مع اعتزام الحكومة المصرية طرح منطقة رأس بناس للاستثمار خلال العام المقبل، تبدو الآفاق المستقبلية لهذا المشروع واعدة، حيث يعد تطوير هذه المنطقة جزءاً من خطة أكبر تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والمستدامة للدولة.
وأضاف أنه بالنظر إلى التجربة الناجحة في طرح مشروع رأس الحكمة للاستثمار، يبدو أن الحكومة المصرية تسير في الاتجاه الصحيح لتعزيز القطاع السياحي وزيادة العائدات الاقتصادية، مؤكدًا أنه إذا تم تنفيذ هذا المشروع بنجاح، فإنه قد يفتح الباب أمام فرص استثمارية جديدة في مناطق أخرى من مصر.