الخطط الجديدة تخفض استهلاك الطاقة 40%
قال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصري، محمد إسماعيل خالد، إن مصر شرعت في تنفيذ مشروعات نوعية تهدف إلى حماية المواقع الأثرية باستخدام تقنيات ذكية وطاقة متجددة، وفي مقدمتها مشروع تطوير إضاءة الأهرامات بنظام مستدام يحافظ على التراث ويعزز التجربة السياحية.
خالد أوضح، في تصريحات لـ«إرم بزنس» أن مصر تمضي بخطى واثقة نحو ترسيخ نموذج متكامل لإدارة مواقعها التراثية، يقوم على تحقيق التوازن بين صون الموروث الحضاري وتعزيز الاستدامة البيئية والاقتصادية.
وشهد عاما 2024 و2025 انطلاقة فعلية لمشروعات نوعية تسعى للحفاظ على الهوية الثقافية، بالتوازي مع تطوير البنية التحتية وتقديم تجربة سياحية أكثر عمقاً وتفاعلاً، وفق خالد.
كما أشار إلى أن مشروع الحفاظ على مواقع التراث العالمي، الذي أُطلق في مارس 2024، يُعد أحد أبرز محاور هذه الرؤية، إذ يشكل إطاراً وطنياً تشاركياً يضم ممثلين عن الجهات الحكومية، والمؤسسات الأكاديمية، وخبراء في مجالات العمارة والآثار والتغير المناخي، إلى جانب طلاب دراسات عليا من تخصصات متعددة.
كما لفت خالد إلى أن المشروع بدأ بورشة علمية استغرقت أكثر من 18 شهراً من العمل التراكمي، وأسفرت عن وثيقة استراتيجية تضمّنت دراسات تفصيلية لسبعة مشروعات رئيسة.
تابع الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصري، أن الدراسات تناولت حلولاً لتحديات بيئية ومعمارية مثل توظيف الطاقة المتجددة في المواقع الأثرية، وتطبيق مفاهيم الزراعة الحضرية، وابتكار أساليب تكيف عمراني تتماشى مع تداعيات تغير المناخ، خصوصاً في مناطق ذات أهمية تاريخية مثل القلعة والفسطاط.
وأضاف، أن المشروع يشارك فيه ممثلون عن قطاعات التراث، السياحة، الإسكان، والطاقة، وتمخض عنه توجيه مباشر من وزير السياحة والآثار بالبدء في تنفيذ أول ثلاثة مشروعات كمرحلة تجريبية للتطبيق العملي.
كذلك لفت خالد، إلى تنفيذ أحد أبرز هذه المشروعات على أرض الواقع، والمتمثل في تطوير منظومة الإضاءة الداخلية لأهرامات الجيزة الثلاثة: خوفو، خفرع ومنكاورع.
كما أوضح أن هذا المشروع غير المسبوق يستهدف حماية الآثار من الأضرار الناجمة عن الحرارة والرطوبة والإنارة التقليدية، عبر نظام إضاءة «ليد» باردة منخفضة التأثير الحراري صممت خصوصا لتتناسب مع الطبيعة الجيولوجية الدقيقة للأحجار التاريخية.
أكد محمد إسماعيل خالد، أن المشروع تم إنجازه بالتعاون مع فريق من المهندسين والأثريين الإسبان، وبإشراف مباشر من المجلس الأعلى للآثار، بعد إجراء سلسلة من الدراسات المتخصصة في مجالات الجيولوجيا والترميم والتهوية؛ ما أتاح تركيب أنظمة تحكم ذكية تعتمد على تقنيات الاستشعار، وتُسهم في خفض استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالأنظمة القديمة.
وأوضح أن هذه المنظومة المتطورة لا تكتفي بحماية الآثار، بل تسهم أيضا في إثراء تجربة الزوار داخل الأهرامات، من خلال إضاءة مدروسة تبرز التفاصيل المعمارية الدقيقة وتعكس عبقرية التصميم الفرعوني؛ ما يمنح الزائرين تجربة أكثر جاذبية وأماناً.
بيّن خالد أيضاً أن هذا المشروع يُعد جزءاً من خطة وطنية أوسع تهدف إلى تحديث البنية التحتية للمواقع الأثرية الكبرى، وتشمل أيضاً إدخال أنظمة مراقبة ورصد بيئي دقيق، وتطوير شبكات التهوية الداخلية، بما يتماشى مع خصوصية كل موقع أثري ومتطلباته المناخية.
أما في ما يتعلق بمنطقة الإمام الشافعي في القاهرة، فأشار إلى أن أحد أبرز التحديات هناك يتمثل في ارتفاع منسوب المياه الجوفية، وهو ما يجري التعامل معه حالياً عبر دراسات هندسية دقيقة، تضمن الحفاظ على النسيج العمراني الأصيل المصنف ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1979، دون التأثير على البيئة الأثرية أو المحيط السكاني.
الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصري، شدد على أن رؤية المجلس لا تقتصر على حماية المباني والآثار فحسب، بل تمتد إلى دعم المجتمعات المحلية المحيطة بالمواقع التراثية، من خلال تشجيع الصناعات الإبداعية والحرف التقليدية، مثل صناعة الطرابيش في قلب القاهرة الفاطمية، ما يسهم في خلق فرص اقتصادية حقيقية ويعزز من مكانة السياحة الثقافية كأداة تنموية فعالة.
وأكد أن هذه المشروعات تجسد نموذجاً للتنمية المستدامة في قطاع الآثار، يجمع بين الحفاظ على التراث وتفعيل دوره في دعم الاقتصاد والمجتمع، مع مراعاة التحديات المناخية والبيئية الراهنة.