"نقص" السماد يربك مزارعي مصر رغم التوقعات بـ"انفراجة" قريبة

شراء كيس سماد (شيكارة) زنة 50 كيلوغراماً من إحدى الجمعيات الزراعية الحكومية في مصر، لم يكن يستغرق قبل أشهر من اليوم، سوى بضع دقائق وبسعره الرسمي 250 جنيهاً، أو 5000 جنيه للطن (104 دولارات)، لكن الوضع تغيّر، وبات المزارع يواجه صعوبة في العثور على حصته من السماد بالسعر الرسمي.

وعلى الرغم من أن هذه الأسعار في السوق (خارج الجمعيات) كانت أعلى بنحو 3 مرات (14 ألف جنيه للطن)، بيد أن أزمة نقص الغاز التي شهدتها في الأسابيع الأخيرة قفزت بأسعار السوق بنحو 85% لتصل إلى 26 ألف جنيه (541 دولاراً للطن)، وفق ما قالته لـ"إرم بزنس" عضو البرلمان المصري، سمر سالم.

أزمة السماد ونقص الغاز كانت امتدت مؤخراً إلى أروقة البرلمان، إذ تقدمت النائب سالم في الأسبوع الأخير من يونيو بطلب إحاطة إلى المستشار حنفي جبالي، رئيس المجلس، موجهاً إلى كل من رئيس الحكومة ووزير البترول، بسبب توقف إنتاج مصانع الأسمدة نتيجة أزمة إمدادات الغاز وما صاحبها من ارتفاع جنوني في سعر السماد.

قفزة الأسعار تزامنت أيضاً مع زيادة موسمية في الطلب المحلي لتلبية احتياجات زراعة المحاصيل الصيفيّة، وتعدّ صناعة الأسمدة بشكل عام إحدى الصناعات الإستراتيجية المهمة في مصر؛ نظراً لأهميتها المتعلقة بالزراعة علاوة على عائداتها الدولارية من التصدير، إذ بلغ إجمالي الإنتاج المصري من الأسمدة العام 2023 ما يقرب 8 ملايين طن من الأسمدة النيتروجينية، و4 ملايين طن من الأسمدة الفوسفاتية. وتأتي الأسمدة في المركز الثاني بين الصادرات المصرية بقيمة 3.4 مليار دولار، وفقاً لبيانات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري.

توقف المصانع

مع تسجيل إنتاج مصر من الغاز الطبيعي في مايو الماضي أدنى مستوياته في أكثر من 6 سنوات بحسب أرقام مبادرة البيانات المشتركة (JODI)، أعلنت 5 شركات مصرية منتجة للسماد في الأسبوع الأول من يونيو، وهي "أبو قير للأسمدة" و"سيدي كرير للبتروكيماويات"، و"موبكو"، و"كيما"، و"الإسكندرية للأسمدة"، تعليق إنتاجها بشكل مؤقت، وفق ما جاء في بيانات إفصاح أعلنتها الشركات المدرجة في البورصة المصرية.

قبل شهرين كانت الشركات المنتجة للأسمدة قد بدأت تعاني من توقف تدريجي في حجم إمدادات الغاز، ما قلّص حجم المعروض من السماد في السوق المصري. وفي هذا السياق قال رئيس مجلس إدارة مجموعة "إيفرجرو" للأسمدة محمد الخشن لـ"إرم بزنس"، إن حجم إنتاج السماد تراجع خلال الشهرين الماضيين بنسبة 60% بسبب نقص الغاز، مشيراً إلى أنه في هذه الأثناء، اعتادت الشركات على تشغيل مصانعها من وقت إلى آخر، حسب مدى توافر إمدادات الغاز إليها.

تداعيات سعر الصرف

سبب آخر للأزمة، هو اتجاه الشركات المنتجة لزيادة صادراتها للاستفادة من ارتفاع سعر الصرف مع انخفاض الإنتاج، بحسب ما قاله نقيب الفلاحين في مصر، حسين عبد الرحمن، وأضاف لـ"إرم بزنس"، أن وزارة الزراعة المصرية تحصل على ما نسبته 55% من مجمل إنتاج الشركات المنتجة لسماد اليوريا، لتوزيعها في حصص مدعومة على الفلاحين، فيما تبيع هذه الشركات 35% من إنتاجها في السوق الحرة، وتوجّه 10% منه للتصدير إلى الخارج.

وقد أسفرت الأزمة الأخيرة عن تراجع الكميات الشهرية الموردة من الشركات المنتجة إلى مخازن الوزارة بنحو 60%، لتصل إلى 110 آلاف طن في يونيو مقارنة مع 250 ألف طن سابقاً.

قال نقيب الفلاحين: "هناك خشية اليوم من تهريب السماد المدعم من الجمعيات الزراعية إلى السوق الحرة للاستفادة من الفارق السعري الكبير، والذي يتجاوز 17 ألف جنيه للطن، ما يفاقم من معاناة المزارعين، ويزيد من الأعباء عليهم، ويرفع من تكلفة إنتاج المحاصيل الزراعية، وبالتالي أسعار المنتجات التي باتت تهدد موائد المستهلكين المصريين".

وأضاف أنه في ظل استمرار أزمة نقص السماد وارتفاع سعره، بدأ عدد من المزارعين تقليل نسبة تسميد الأراضي الزراعية، "وهذا سيؤثر في حجم إنتاجية المحاصيل الصيفية، ويدفع أسعارها للارتفاع".

انفراجة قريبة

تتوقع سالم أن تشهد أزمة السماد "انفراجة" خلال الفترة المقبلة، بعد استيراد الحكومة المصرية شحنات من الغاز الطبيعي المسال، وعودة إمدادات الغاز بكامل طاقتها مجدداً إلى المصانع المنتجة. وقالت إن إنتاج مصانع السماد بدأ يتعافى تدريجياً منذ الأسبوع الماضي، لكنه حتى الآن لم يلبِ الاحتياجات الكلية من الأسمدة المدعمة اللازمة للموسم الزراعي الحالي.