خاص
خاص

قانون لبناني لاسترداد الودائع.. هل يُنصف صغار المودعين فقط؟

 أعلنت الحكومة اللبنانية، ممثلةً في رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أنها تدرس قانونًا يتعلق باسترداد الودائع، مع إعطاء الأولوية لصغار المودعين الذين تقل ودائعهم عن 100 ألف دولار. 

وعلى هامش المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في دافوس بسويسرا، أبدى ميقاتي استغرابه مما تردد في الآونة الأخيرة من شائعات مفادها أن "القانون المقترح لسداد الودائع المودعة في البنوك سيمس كبار المودعين ويعاملهم بشكل غير عادل"، مبينًا أن "الأمر عكس ذلك تمامًا".

 خطوة مهمة 

ويرى الكاتب الصحفي اللبناني، غسان ريفي، أن "القانون الجديد يُعدُّ إحدى الخطوات المهمة لتحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وتحقيق الالتقاء بين الواقع الداخلي والاقتصاد العالمي".

ويُرجع ريفي، في حديث لـ"إرم اقتصادية"، سوء الأوضاع الاقتصادية في لبنان في السنوات الأخيرة إلى السياسات الخاطئة التي تبنتها الحكومة، والتي تمثلت في الدعم غير المحدود على كافة القطاعات، بدءًا من الكهرباء مرورًا بالطاقة، وحتى جميع السلع الغذائية، مما أدى إلى عجز كبير في الموازنة العامة للدولة.

ولمواجهة هذا العجز، وفق ريفي، بدأت الحكومة في تقليص الدعم خلال الفترة الماضية، مما أسهم في تحقيق وفرة مالية، ومن بين الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في هذا الإطار، إلغاء منصة صيرفة، وهو ما أسهم في استقرار سعر الصرف.

ويتوقع ريفي أن يتم تطبيق القانون الجديد من خلال تقسيط ودائع صغار المودعين، الذين لا تتجاوز ودائعهم 100 ألف دولار، على فترة زمنية قد تصل إلى ثلاث سنوات.

ويرى ريفي أن "هذه الخطوة من شأنها تعزيز الأوضاع لدى هذه الفئة، التي تُمثّل أكثر من 90% من المودعين في لبنان، حيث ستتوفر لهم السيولة المالية اللازمة لتحسين حياتهم المعيشية، مما يُسهم في تدعيم الطبقة الوسطى في المجتمع".

وبدأ انهيار الاقتصاد اللبناني في عام 2019، حيث فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار الأميركي . 

 ونتيجة لذلك، منعت المصارف أصحاب الودائع من الحصول على كامل ودائعهم، حيث يقتصر المبلغ المسموح بسحبه بالعملة الأجنبية حاليًّا على 300 دولار شهريًّا.

 وتحول الاقتصاد اللبناني تدريجيًّا إلى إاقتصاد نقدي، ويرجع ذلك إلى فقدان الثقة في الليرة اللبنانية، وارتفاع أسعار السلع والخدمات.

إعادة الودائع

وأشادت الكاتبة الصحفية، نجوى أبو حيدر، بالقانون الجديد، معتبرةً أنه "خطوة جيدة ومفيدة للبنانيين، خاصةً صغار المودعين الذين لا تتجاوز ودائعهم 100 ألف دولار".

وأشارت أبو حيدر، لـ"إرم اقتصادية"، إلى أن "هناك تساؤلات عن توقيت إعادة الودائع، خاصةً أن هناك ديونًا للدولة لدى المصارف، وعلى رأسها مصرف لبنان".

وأوضحت أن "الدولة يجب أن تسدد أولًا ديونها المباشرة، التي تمثلها سندات الدين المستحقة عليها، وكذلك ديونها غير المباشرة، التي تتمثل في مسؤوليتها الواردة في المادة 113 من الدستور".

وأكدت أبو حيدر أنه "إذا لم تسدد الدولة ديونها، فلن يكون من الممكن تفسير الآلية التي يمكن من خلالها إعادة الودائع إلى أصحابها، أو من سيدفع إلى المصارف التي ستقوم برد الأموال".

وأشارت إلى أن "هناك حالة من الغموض في هذا الاتجاه"، وأكدت أنه "لا يجوز تجزئة هذا الملف إلى حد الفصل بين المودعين الصغار والكبار، بل يجب التعامل مع الجميع لحل الأزمة".

استقرار سعر صرف الليرة

في المقابل يرى الباحث الاقتصادي، عمرو عبد الهادي، أن "الحديث عن إعادة الودائع إلى المودعين في لبنان لا يُمثّل حلًا للأزمة الاقتصادية، بل هو انعكاس لها، فالمودعون يضعون أموالهم في البنوك عندما يثقون بالحكومة، وعندما تفقد الحكومة ثقة المودعين، فإنها تفقد الثقة بشكل عام".

وقال عبد الهادي، لـ"إرم اقتصادية"، إن "أحد أهم التحديات التي تواجه لبنان هو إطلاق منصة جديدة للعملات الأجنبية، بديلًا لمنصة صيرفة، فهذه المنصة الجديدة ضرورية لاستقرار سعر صرف الليرة، ولكن هناك العديد من الأسباب التي حالت دون إطلاقها، أبرزها الأزمة في جنوب لبنان جرّاء القصف الإسرائيلي المستمر".

وتتبنى الحكومة اللبنانية رؤية تعتمد على أن إعادة الودائع إلى المودعين من شأنها تعزيز الثقة في الوضع الاقتصادي، إلا أن عبد الهادي يرى أن "هناك العديد من الإجراءات الأخرى التي يجب اتخاذها، أبرزها تعزيز الشفافية في الاقتصاد اللبناني، فهذا من شأنه أن يعزز ثقة المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وبالتالي الحصول على قرض من هذا الصندوق، وهو ما سيكون بمثابة شهادة ثقة دولية تعزز وجود المستثمرين في البلاد".

وعن أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد اللبناني، يرى الخبير أن "توقف الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار الوقود بعد رفع الدعم عنه، بالإضافة إلى هجرة العمال، يُعدان تحديين كبيرين". 

وقد أكد في الوقت نفسه أكد أن "الأمور تحسنت في الأشهر الأخيرة، خاصة مع عودة بعض العلامات التجارية إلى الظهور مجددًا، وهو مؤشر إيجابي لا يمكن تجاهله".

وأشار إلى الأوضاع السياسية باعتبارها تحديًا آخر، موضحًا أن "العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية يُعطّل العديد من الخطوات، كتعيين محافظ جديد للبنك المركزي، أو استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وهو ما يحمل تداعيات كبيرة على الأوضاع الاقتصادية".

واتفقت السلطات اللبنانية مع صندوق النقد الدولي في أبريل 2022 على مجموعة من السياسات الاقتصادية التي يجب تنفيذها، بما يشمل إصلاحات مالية واقتصادية وإدارية، وكان من شأن تنفيذ هذه السياسات أن يفتح الباب أمام لبنان للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار.

ومع ذلك، لم يتم تنفيذ هذه الإصلاحات حتى الآن، مما أدى إلى تعطل المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي، ويزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية في البلاد.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com