السابعي: السقف العالي للضريبة يضمن عدالة التطبيق ويحمي الطبقات
الضريبة ستُسهم في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية المالية
في سابقة خليجية تحمل طابعاً تحويلياً، أقرت سلطنة عُمان ضريبة دخل على الأفراد، لتصبح أول دولة خليجية تفرض مثل هذا النوع من الضرائب. ومع تحديد موعد بدء التنفيذ في 1 يناير 2028، يبدأ العدّ التنازلي لاختبار واحد من أكثر القرارات حساسية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي في الخليج.
قال الخبير الاقتصادي العُماني وعضو الجمعية الاقتصادية العمانية، قيس السابعي إن سلطنة عُمان تُعد أول دولة خليجية تُقر ضريبة الدخل على الأفراد، مشيراً إلى أن القانون الجديد يُشكل استكمالاً للبنية التشريعية للضرائب في السلطنة، والتي تتضمن ضرائب معمول بها حالياً مثل الضريبة الانتقائية، وضريبة دخل الشركات، وضريبة القيمة المضافة.
الخطوة تأتي في توقيت بالغ الأهمية، إذ تسعى السلطنة إلى إعادة رسم خريطتها المالية ضمن رؤية «عُمان 2040»، وتنويع ميزانيتها من عائدات النفط. وأوضح السابعي أن المرسوم السلطاني الصادر بشأن إصدار قانون ضريبة الدخل على الأفراد يُعد بمثابة الإطار المؤسسي المتكامل لنظام الضرائب في عُمان.
بموجب المرسوم السلطاني رقم 56/2025، ستُفرض الضريبة بنسبة 5% على الدخول السنوية التي تتجاوز 42 ألف ريال عُماني (نحو 109,000 دولار). هذا يعني أن أكثر من 99% من الأفراد لن يتأثروا مباشرة بالضريبة، التي تستهدف شريحة ضيقة للغاية من أصحاب الدخول المرتفعة، حسبما أكد جهاز الضرائب العُماني، وفقاً لوكالة الأنباء العمانية.
وأضاف السابعي أن هذا القانون أُعدّ بناءً على دراسات معمقة واستراتيجية اعتمدت على بيانات رسمية من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، وخلصت إلى أن الضريبة ستُفرض فقط على 1% من السكان. وتشمل الفئة الأولى المواطنين والمقيمين الذين أمضوا أكثر من 183 يوماً داخل السلطنة، حيث يُحتسب عليهم ضريبة الدخل سواء كان مصدر دخلهم من داخل أو خارج عُمان. أما الفئة الثانية فتشمل من يُعرفون بـ«غير المقيمين ضريبيًا»، أي من لم يُتمّوا 183 يوماً داخل السلطنة، وفي هذه الحالة تُفرض الضريبة فقط على الدخل المتحقق داخل عُمان.
وأشار السابعي إلى أن القانون اعتمد ما وصفه بـ«السقف العالي» في تحديد معدل الضريبة، حيث سيُفرض معدل 5% فقط على من يتجاوز دخله السنوي 42 ألف ريال عُماني، بعد خصم مصاريف مثل الزكاة، ورسوم التعليم، والرعاية الصحية للأبوين أو للعمال. فعلى سبيل المثال، من يحقق دخلاً سنوياً قدره 50 ألف ريال، سيُخصم منه أولاً مبلغ 42 ألف ريال، ويُفرض 5% فقط على الـ8 آلاف المتبقية.
ومع أن نطاقها يبدو محدوداً، إلا أن الحكومة تراهن على عائدات تُقدّر بما يعادل 0.3–0.4% من الناتج المحلي غير النفطي، أو نحو 2% من إجمالي الإيرادات السنوية للدولة وذلك وفقاً لتقرير مشاورات المادة الرابعة لسلطنة عمان الصادر عن صندوق النقد الدولي لعام 2024.
وأكد السابعي أن تطبيق هذه الضريبة سيسهم في تعزيز الإيرادات الحكومية ورفد خزينة الدولة، كما سيدعم الاقتصاد الوطني ويُسهم في تحسين الميزانية العامة، من خلال وفورات مالية إضافية وتوزيع أكثر عدالة للثروة بما يراعي الأبعاد الاجتماعية والثقافية.
منذ 2020، تحاول عُمان إعادة ضبط توازنها المالي عبر ما يسمى «برنامج التوازن المالي»، والضريبة الجديدة ليست سوى حلقة متقدمة من هذا المسار. الحكومة تستهدف رفع مساهمة الإيرادات غير النفطية إلى 15% من الناتج المحلي بحلول عام 2030، ثم إلى 18% بحلول 2040، وذلك وفقاً لبيانات وزارة الاقتصاد العمانية.
وشدد السابعي على أن الضريبة الجديدة تندرج في إطار تحقيق مستهدفات رؤية عُمان 2040، عبر تقليل الاعتماد على النفط والغاز، وتنويع القاعدة الاقتصادية، وتحقيق نمو اقتصادي أكثر توازناً، بالإضافة إلى خلق فرص عمل جديدة داخل جهاز الضرائب، وتعزيز الشفافية والمصداقية في حركة الأموال.
فيما يخص المخاوف من تأثير الضريبة على الاستثمار، قال السابعي: «نعم، قد يكون هناك تأثير، لكنه لن يكون سلبياً كما يعتقد البعض، لأن السلطنة ليست أول دولة تُطبّق هذه الضريبة، فهناك دول عربية وأجنبية تطبّق قوانين مشابهة منذ سنوات». ولفت إلى أن الاستثمارات الأجنبية في عُمان تسير بوتيرة مستقرة وتشهد نمواً سنوياً مستمراً، وهو ما يُعزى إلى دور جهاز الاستثمار العُماني والسياسات الاقتصادية المدروسة.
اللافت أن معظم المؤسسات الدولية المعنية بالشأن المالي أثنت على هذه الخطوة. فقد رحب صندوق النقد الدولي بالقانون، واعتبره «عنصراً محورياً» في تقليص الفجوة المالية طويلة الأمد وذلك في تقرير مشاورات المادة الرابعة، 2024. أما البنك الدولي، فذهب أبعد من ذلك، معتبراً أن هذه الضريبة «تفتح مجالًا لتمويل البنية الأساسية والاستثمار في رأس المال البشري».
أشار السابعي إلى أن القانون سيُساعد الدولة على تتبع مصادر الأموال وإنفاقها، من خلال ربطها ببرامج الرعاية الصحية، والتعليم، والزكاة، بما يضمن أداء الأفراد لواجباتهم واستفادتهم من حقوقهم. واعتبر أن القانون سيسهم أيضاً في محاربة الفساد، وغسل الأموال، والاتجار بالبشر، عبر تمكين النظام المالي من مراقبة حركة الأموال بفعالية.