خاص
خاص

تغيّر المناخ والسياحة العربية.. مصر والأردن بدائرة الخطر

مع استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة لفعاليات مؤتمر المناخ، كوب 28، فإن أنظار العالم واهتماماته تتجه حاليا إلى دق أجراس الإنذار، تجاه الأضرار الفادحة لتغير المناخ والاحترار العالمي، ومحاولة الحد من تأثير ذلك على القطاعات الاقتصادية المختلفة، وفي القلب منها السياحة.

وأكد خبراء، أن تغير المناخ يعتبر القضية المسكوت عنها بالنسبة لهذا القطاع؛ لأن هناك خسائر مادية للعديد من الدول جراء تأثر قطاع السياحة لديها بسبب الأزمات المناخية، مشيرين إلى أن حجم الخسائر لم يتحدد بعد بشكل دقيق، لكن هناك مدنا ومناطق سياحية كاملة من الممكن ألا تكون تتواجد على الخريطة في المستقبل المنظور بسبب التغيرات المناخية.

ووفقا لتقرير صادر عن المجلس العالمي للسفر والسياحة "دبليو تي.تي.سي"، فإن تغير المناخ يعتبر تهديدا كبيرا لانتعاش القطاع السياحي في الدول العربية خاصة الأردن ومصر، حيث تعد السياحة في الأردن أحد أكبر مصادر الدخل من العملات الأجنبية، وثاني أكبر موظف للعمالة في القطاع الخاص، حيث يوفر القطاع 7.3% من الوظائف، لكن الجفاف والحرارة الحارقة والنقص غير المسبوق في الأمطار يهدد الوجهات السياحية في جميع أنحاء الأردن.

خسائر جمة

ينكمش البحر الميت على سبيل المثال بأكثر من متر سنويا، وتساهم التغيرات المناخية أيضا في انخفاض مستويات المياه في نهر الأردن، وهو المكان الذي تم فيه تعميد المسيح عليه السلام، واليوم تحول النهر إلى مياه موحلة بفضل التحويلات الكثيرة من المنبع، ما أثار استياء الحجاج المسيحيين.

كما أن مياه الأمطار الغزيرة النادرة غمرت البتراء في نوفمبر 2018، وهي المنطقة التي تعتبر أحد أهم معالم الجذب السياحي الثمين في الأردن، وأحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، ما أجبر المسئولين على إجلاء ما يقرب من 4000 سائح.

أما مصر، فقد أدى ارتفاع درجات الحرارة فيها إلى إلحاق الضرر ببعض المعالم الشهيرة في الأقصر وتغيير لون الأحجار الأثرية، في الوقت الذي تعد السياحة هي العمود الفقري للاقتصاد المصري وأكبر قطاع للسفر والسياحة في أفريقيا.

وحتى الآن نجت الشعاب المرجانية في البحر الأحمر والتي تحظى بشعبية لدى الغواصين، من هجوم التغيرات المناخية، لكن من المتوقع أن تزداد الظروف الجوية القاسية سوءا مع ارتفاع درجات الحرارة، وسوف تهدد حياة الناس والنباتات والحيوانات.

كوارث الطقس

يتوقع مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث "يو.أن.دي.آر.آر" زيادة بنسبة 40% في عدد الكوارث المرتبطة بالطقس على مستوى العالم خلال العقد المقبل، وسيكون هناك حوالي 560 كارثة سنويا بحلول عام 2030، وستكون كل منها أكبر وأكثر تكلفة مما نشهده الآن.

ولم يظهر تأثير التغيرات المناخية على معدلات السياحة بشكل واضح حتى الآن، لكن مساهمة السفر والسياحة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بلغت في 2022 نحو 7.7 تريليون دولار، ومن المتوقع أن تصل هذه المساهمة إلى 9.5 تريليون دولار في نهاية 2023، وفقا للمجلس العالمي للسفر والسياحة.

وبلغت مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي 10 تريليونات دولار في 2019، لكن تراجعت الإيرادات بسبب انتشار جائحة كورونا في الأعوام القليلة الماضية.

في هذا الصدد، يقول نقيب السياحين في مصر، باسم حلقة، إن الظواهر المناخية غير الطبيعية مثل الحرائق والفيضانات تُفقد الدولة التي تصاب بهذه الظواهر إيرادات السياحة بشكل فوري.

وأضاف حلقة، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أن الإشكالية ليست في الخسارة الفورية بعد إجلاء السائحين، ولكنها تكمن في عدم رغبة السائحين في زيارة المدينة المتضررة مرة أخرى، بالإضافة إلى خسارة الوافدين المحتملين.

وأشار إلى أن مصر أدركت هذه الإشكالية منذ فترة طويلة، واتجهت لتحويل مدينة شرم الشيخ مثلا إلى مدينة خضراء، وأصبح القطاع السياحي بأكمله في المدينة يعمل بطرق مستدامة غير ملوثة للبيئة، موضحا أن مؤتمر المناخ كوب 28 الذي يقام في الإمارات حاليا أمامه تحديا كبيرا في الوصول إلى طريقة تلزم الدول المتقدمة بسداد التمويلات المتفق عليها منذ اتفاقية باريس 2015 لدعم قدرة الدول الفقيرة على التكيف مع أضرار تغير المناخ.

ونصت اتفاقية باريس للمناخ على تعهد الدول المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار، لمساعدة الدول النامية على التحول إلى الطاقة النظيفة وخفض الانبعاثات الكربونية، لكن لم تُدفع هذه المبالغ حتى الآن.

السياحة في قفص الاتهام

وأشار نقيب السياحين في مصر إلى أن "قطاع السياحة نفسه يسبب تلوثا كبيرا للبيئة، ولذلك فإن الدول التي يعتمد اقتصادها على السياحة تحتاج إلى التمويلات بشكل سريع جدا حتى تتحول إلى السياحة الخضراء".

ووفقا للمجلس العالمي للسفر والسياحة، فإن قطاع السياحة يسبب أكثر من عُشر الانبعاثات الدفيئة المسؤولة عن أزمة المناخ، بينما تقول منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، إن إجمالي مساهمة القطاع في الانبعاثات الكربونية قد تصل إلى الربع بحلول 2030.

كما تساهم القطاعات المساعدة للسفر والسياحة بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث تنتج 2% من انبعاثات الكربون العالمية المرتبطة بانبعاثات طائرات الرحلات السياحية، فيما يمثل قطاع تشييد وبناء القرى السياحية نحو 6% من إجمالي الانبعاثات.

تغير نمط السياحة

من جانبه قال رئيس جمعية مستثمري طابا ونويبع في مصر، المهندس سامي سليمان، إن التغيرات المناخية لم تؤثر على إيرادات السياحة حتى الآن، لكنها غيرت فقط من نمط السياحة.

وأضاف سليمان، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أنه إذا كانت الشواطئ الأوروبية قد خسرت 10% من السائحين خلال فصل الصيف بسبب ارتفاع درجات الحرارة، فإنها عوضت ذلك في الفصول الأخرى كالربيع أو الخريف، بعد تغيير نمط السياحة المتعارف عليه.

وأوضح أن التغيرات المناخية تهدد بالقضاء على أماكن سياحية بأكملها وليس فقط انخفاض الإيرادات، لأن ارتفاع منسوب المياه أو ذوبان الجليد من القمم والمرتفعات سيغرق بلدان كاملة، مشددا على ضرورة استغلال كوب 28 كفرصة لتحقيق ما عجزت عنه القمم السابقة، والوصول إلى آلية تمويل سريعة للبدان النامية تساعدها على التصدي للتغيرات المناخية.

وتابع رئيس جمعية مستثمري طابا ونويبع أن "الأمر لا يتعلق بالسياحة فقط وإنما له علاقة بالكوكب بأكمله، فنحن لا نتحدث عن مجرد إيرادات مالية وناتج محلي إجمالي، لكن نتحدث عن حياة البشر بشكل عام".

أوروبا تكافح الحر

ولا تقتصر أضرار المناخ على قطاع السياحة العربي، بل يمتد لمعظم أنحاء العالم، فقد اضطرت اليونان في شهر يوليو الماضي إلى إجلاء أكثر من 2000 سائح بعد اندلاع حرائق الغابات في جزيرة رودوس، التي تعتبر بمثابة أفضل الوجهات السياحية في اليونان، كما اضطرت أيضا إلى إغلاق أهم معالمها السياحية "الأكروبوليس"، بعد أن وصلت درجات الحرارة إلى 45 درجة مئوية.

تلك المشاكل المناخية أفقدت اليونان جزءا من مساهمة قطاع السياحة في الموازنة العامة اليونانية والذي يقدر بنحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويسعى الاتحاد الأوروبي الذي يستحوذ على 51% من إجمالي عدد السائحين حول العالم، الذين بلغ عددهم في 2019 قبل تفشي جائحة كورونا نحو 743 مليون سائح، إلى تخفيف حدة الآثار المناخية على قطاع السياحة من خلال التوسع في المدن السياحية الخضراء.

وبحسب لجنة السفر الأوروبية، فإن عدد الأشخاص الذين يخططون لزيارة البحر المتوسط في الفترة من يونيو إلى نوفمبر 2023 انخفض بنسبة 10% هذا العام بعد ارتفاع درجات الحرارة العام الماضي، في جنوب القارة العجوز.

ولم تؤد درجات الحرارة المرتفعة إلى إنهاء العطلات فحسب، بل منعت البعض من البدء فيها؛ وذلك لأن الطائرات تجد صعوبة في الإقلاع من الأرض في الظروف الأكثر حرارة، لأن ذلك يجعل الهواء أقل كثافة، بحسب التقارير الدولية.

وبالتالي اضطرت شركات الطيران الأميركية التي تنطلق من لاس فيغاس على سبيل المثال- حيث تصل درجات الحرارة إلى 46 درجة مئوية - إلى تقليل أعداد الركاب، أو إزالة الأمتعة، أو تقليل مستوى الوقود الذي يحملونه أو تأخير الرحلات حتى تنخفض درجات الحرارة.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com