في ظل تقلبات الأسواق المالية التي شهدها مطلع عام 2025، يبرز سؤال محوري لدى المستثمرين: هل حان الوقت للدخول إلى الأسواق، سواء في الأسهم الخليجية أو الأميركية؟
يستعرض هذا التقرير أحدث المؤشرات، مستويات التقييم، توقعات النمو، والعوامل المؤثرة، لتقديم صورة واضحة تساعد على اتخاذ القرار الاستثماري الأمثل.
شهدت الأسواق الأميركية تراجعاً ملحوظاً عن ذروتها التي سجلتها في عام 2024، إذ هبط مؤشر «داو جونز» الصناعي بنسبة 11.5% قبل أن يقلص خسائره إلى نحو 1% بحلول منتصف مايو، بدعم من انتعاش أسهم قطاعات الطاقة والصناعة. أما مؤشر «ناسداك 100» الذي يضم أكبر شركات التكنولوجيا، فقد انخفض بنحو 4% منذ بداية 2025، متأثراً بتراجع أسهم التكنولوجيا الكبرى بنسبة 7.5%.
على الجانب الآخر، شهدت أسواق الخليج تصحيحات طفيفة، لكنها لا تزال جاذبة للاستثمار. فقد تراجع سوق دبي المالي بنسبة 7% من أعلى مستوياته، بعد مكاسب قوية بلغت 24% في 2024. كما انخفض مؤشر أبوظبي بحوالي 5%، بينما هبط مؤشر «تاسي» السعودي بأكثر من 8% نتيجة تقلبات أسعار النفط وعمليات جني الأرباح التي طالت عدة قطاعات رئيسية.
لفهم جاذبية الأسواق، يُستخدم عادةً مؤشّران رئيسان:
مضاعف الربحية (P/E): هو النسبة بين سعر السهم الحالي إلى ربحية السهم السنوية. يشير هذا المؤشر إلى ما يدفعه المستثمر مقابل كل وحدة من الربح الذي تحققه الشركة. مضاعف ربحية مرتفع يعني أن السوق يتوقع نمواً كبيراً مستقبلياً، ولكنه قد يعكس أيضاً أن السعر مبالغ فيه. أما مضاعف منخفض، فقد يدل على أن السهم أقل جاذبية، أو أن هناك مخاطر محدقة.
نسبة السعر إلى القيمة الدفترية (P/B): تقارن هذه النسبة سعر السهم بسعر قيمته الدفترية (أي صافي أصول الشركة). نسبة أقل من 1 قد تعني أن السهم مقوم بأقل من قيمته الحقيقية، في حين أن نسبة مرتفعة تشير إلى تقدير المستثمرين لأداء الشركة المستقبلي، أو إلى أسعار مرتفعة قد لا تكون مدعومة بأصول فعلية.
الأسواق الأميركية: سجل مؤشر «ناسداك 100» مضاعف ربحية مرتفعاً عند 29.8 مرة، ونسبة سعر إلى قيمة دفترية تبلغ 3.88؛ مما يعكس تقييمات مرتفعة لأسهم التكنولوجيا.
الأسواق الخليجية: سوق دبي المالي يتصدر بمضاعف ربحية يبلغ 30.2 مرة، مع نسبة سعر إلى قيمة دفترية عند 1.33، مما يدل على تفاؤل معتدل. بينما يظهر مؤشر أبوظبي مضاعف ربحية عند 17.9 مرة، ما يعكس تقييمات أكثر تحفظاً، في حين يبلغ مضاعف الربحية في سوق «تاسي» السعودي 20.3 مرة ونسبة السعر إلى القيمة الدفترية 2.1، دلالة على تقييمات متوسطة.
مؤشر داو جونز الصناعي سجل مضاعف ربحية يبلغ 24.5 مرة، ما يضعه في موقع متوسط بين الأسواق الأميركية والخليجية.
تتباين توقعات النمو بين الأسواق، لكن فرص النمو ما زالت قائمة في كلتا المنطقتين:
الولايات المتحدة: يتوقع نمواً سنوياً يتراوح بين 1.5% و2%، مدعوماً بتقدم قطاع التكنولوجيا وزيادة الإنتاجية، رغم المخاطر الناجمة عن تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي.
الإمارات: من المتوقع أن يسجل الاقتصاد نمواً يقارب 4% سنوياً، مدعوماً بجهود التنويع الاقتصادي والاستثمارات في الطاقة المتجددة والسياحة.
السعودية: يُتوقع نمو بين 4.5% و5% بفضل مشاريع «رؤية 2030» والاستثمارات الكبرى في البنية التحتية والتحول الاقتصادي.
الولايات المتحدة: تواجه السوق ضغوطاً جراء تشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة؛ مما أثر سلباً على أرباح الشركات، وزاد المخاوف بشأن مستويات الدين، وهو ما قد يحد من نمو الاقتصاد على المدى القريب.
أسواق الخليج: تتمتع بدعم حكومي مباشر عبر مشاريع كبرى وزيادة الإنفاق الرأسمالي، إلى جانب بيئة تنظيمية أكثر انفتاحاً للاستثمارات الأجنبية، واستقرار نسبي في أسعار النفط، إضافة إلى الاستفادة من خطط التنويع الاقتصادي.
مع التراجع الأخير في الأسواق الأميركية وارتفاع تقييماتها السابقة، يتطلب الاستثمار فيها حذراً واستراتيجية طويلة الأجل مع تركيز على قطاعات محددة مثل التكنولوجيا والطاقة.
في المقابل، تقدم الأسواق الخليجية فرصاً جاذبة مع تقييمات أكثر اعتدالاً ونمواً اقتصادياً واعداً مدعوماً بسياسات حكومية محفزة. بناءً عليه، يبدو الوقت مناسباً للمستثمرين الراغبين في تنويع محافظهم الاستثمارية للنظر بجدية في فرص الاستثمار بالأسواق الخليجية، دون إهمال الفرص المهمة التي توفرها الأسواق الأميركية، مع ضرورة تقييم المخاطر واختيار القطاعات بعناية.
القرار النهائي في الاستثمار يعتمد على قدرة المستثمر على تحمل المخاطر، أهدافه المالية، وأفقه الزمني، مع ضرورة المتابعة المستمرة لتطورات الأسواق العالمية والمحلية لضمان اتخاذ قرارات استثمارية ذكية.